فالآية الأولى: تدل على حل نكاح غير المحرمات المذكورات قبلًا، دون تحديد عدد، وهذه الدلالة من قبيل (الظاهر)، فيجوز للرجل بمقتضى عموم هذا الظاهر، أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات.
والآية الثانية:(نص) في اقتصار الحل على الأربع، فتحرم الزيادة على هذا العدد.
وهكذا يقع التعارض فيما وراء الأربع، فهو حلال في الآية الأولى، حرام في الآية الثانية.
وفي هذه الحالة يقدم الأقوى: فيرجح النص - وهو تحديد الحل بأربع، وتحريم ما وراءها - على الظاهر الذي لم يحُدَّ الحلال من الزوجات بعدد، ويحمل الثاني على الأول، لأن النص سيق أصالة لإفادة هذا الحكم: وهو تحديد ما يحل للمسلم بأربع.
ومن هنا كان من المقرر شرعًا، أنه لا يجوز للمسلم أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات.
وقيل: الآية الأولى (نص) في اشتراط المهر، والآية الثانية من قبيل (الظاهر) في عدم اشتراطه؛ لأن الكلام ساكت عن ذكره ومطلَق عنه، فيترجح النص ويجب المال.
ب - ومن أمثلة ذلك من الكتاب أيضًا (١) قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣] مع قوله سبحانه في آية أخرى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥].
فالآية الأولى تعطي - بما سقيت له - أن مدة الرضاع مقدّرة بحولين، وهذا (نص). والآية الثانية تعطي أن هذه المدة ثلاثون شهرًا؛ لأنها سيقت لبيان منّة الوالدة على الولد، بدليل أول الآية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ وهذا (ظاهر).
(١) راجع: "كشف الأسرار" شرح المصنف النسفي على المنار (١/ ١٤٦).