للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أ - أنه أكثر استيعابًا للمعاني الحاصلة من تنوع الأدلة (١).

ب - وأنه أكثر وضوحًا في الحدود والفوارق بين الأقسام، الأمر الذي يبين تدرجها في الوضوح، ومراتب هذا الوضوح.

ج - ولقد نتج عن ذلك يسر الدلالة على المراد، من أجل تحديد معالم النص المطلوب تفسيرُه، ومعرفة الحكم الذي يدل عليه.

وعلى هذا: فإنا لا نرى أيضًا ما ذهب إليه الشيخ عبد الوهاب خلاف من تفضيل الصورة الثانية من اصطلاح المتكلمين.

ذلك لأن تفاوت الوضوح على أساس الاحتمال أو عدمه، متوافر في تقسيم الحنفية، فمثلًا: احتمال التأويل في الخاص، واحتمال التخصيص في العام، وغير ذلك من الاحتمالات؛ لكل منها مكانه في تحديد مراتب الوضوح بين الأقسام.

أما مسألة قصد المعنى المراد من السياق أصالة: فنحن معه في عدم ظهور وجه لجعله أساسًا لتفاوت الوضوح، وفي أن بعض النصوص قد يكون المتبادر إلى الفهم منها، هو المعنى غير المقصود أصالة من السياق.

ولقد أبنّا في صدر هذا المبحث أن مسألة السياق والقصد منه، درج فيها المتأخرون على غير طريقة المتقدمين؛ فالمتقدمون لم يشترطوا في الظاهر عدم السَّوق، وجعلوا التفاوت بين الظاهر والنص قائمًا على ازدياد وضوح النص على الظاهر بمعنًى من المتكلم، لا من الصيغة نفسِها؛ وذلك عن طريق قرينة نطقية - تنضم إليه سباقًا أو سياقًا - تدل على أن قصد المتكلم هو ذلك المعنى؛ كما في مثال التفريق بين البيع والربا، فإن التفريق لم يفهم من ظاهر الكلام، بل بسياق الكلام، وهو قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] حيث دلّنا ذلك على أن الغرض إثبات التفرقة بينهما، وأن تقدير الكلام: أحلّ الله البيع وحرّم الربا فأنى يتماثلان (٢).


(١) راجع: "التحرير" لابن الهمام وشرحه "تيسير التحرير" (١/ ١٤٤).
(٢) راجع: "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>