للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قيل: فلان ذو بيان، يراد منه الإظهار (١).

ولقد كثر ورود البيان في التنزيل بمعنى الإظهار، كما يرى في قوله تعالى: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٨] وقوله تباركت أسماؤه: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)[القيامة: ١٨، ١٩] أي إظهار معانيه وأحكامه وشرائعه إذا أشكل عليك يا محمد شيء من معانيه، أو إظهاره على لسانك بالوحي حتى تقرأه (٢). ومن ذلك قوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)[الرحمن: ٤] (٣).

وإن رسول الله قلّده الله أمانة البيان لما أنزل إليه من كتاب فكان مأمورًا بأن يبين للناس ما ينزل إليه (٤) ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)[النحل: ٤٤].

ولم ينتقل الرسول صلوات الله عليه إلى الرفيق الأعلى، حتى أدّى أمانة البيان كما أمره مولاه وعهد إليه، ولو كان البيان بمعنى الظهور وهو العلم الواقع للمبيَّن له، لما كان رسول الله مؤديًا لتلك الأمانة (٥).


(١) راجع: "أصول السرخسي" (٢/ ٢٦)، "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (٣/ ٤٢٨)، "مرآة الأصول شرح مرقاة الوصول" لمنلا خسرو (٢/ ١٢٢) مع حاشية الإزميري.
(٢) انظر: "الكشاف" للزمخشري (٤/ ٥٢٩)، "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (٣/ ٨٢٤).
(٣) جاء في "لسان العرب" لابن منظور نقلًا عن الزجاج في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾ قيل: إنه عنى بالإنسان هاهنا النبي ، ويجوز في اللغة أن يكون الإنسان اسمًا لجنس الناس جميعًا، ويكون على هذا ﴿عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤)﴾ جعله مميزًا، حتى انفصل الإنسان ببيانه وتميزه من جميع الحيوان.
(٤) انظر: "الرسالة" للإمام الشافعي (ص ٢١، ٢٩، ٣١)، "أصول السرخسي" (٢/ ٢٧)، "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ١٨٨ - ١٩٣).
(٥) قال شمس الأئمة السرخسي: (وقد كان رسول الله مأمورًا بالبيان للناس … وقد علّمنا أنه بين للكل. ومَن وقع له العلم ببيانه أقر، ومَن لم يقع له أصر، ولو كان البيان عبارة عن العلم الواقع للمبين له لما كان هو - يعني رسول الله - متمِّمًا للبيان في حق الناس كلهم). انظر: "أصول السرخسي" (٢/ ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>