للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧)[آل عمران: ٧].

وإذا كان نفر من علماء الأصول قد أطالوا القول في هذه المسائل: فهو نقل استطردوا له، ليس مكانه مباحث أدلة الأحكام، والمناهج التي يتوصل بها إلى استنباط تلك الأحكام، وإنما مكانه مباحث العقيدة.

لذا أجاب بعضهم عن ذكر (المتشابه) في علم أصول الفقه - مع أنه لا يترتب عليه معرفة شيء من الأحكام التكليفية - بأنه ذكر من قبيل الاستطراد تتميمًا للأقسام. أما المتشابه على المعنى الذي أراده الكرخي والجصاص: فلا ريب أن موطنه نصوص الأحكام.

ومن الضرورة بمكان: توكيدُ أن وجود المتشابه بالمعنى الثاني في نصوص الأحكام التكليفية: يتنافى مع ما قررناه من قبل - وهو المختار عند المحققين - أن نصوص هذه الأحكام؛ ما كان من كتاب، أو سنّة، قد وردتنا ومعها بيانها: إما من ذاتها وإما من سنّة النبي . وما قلناه عن الحديث في (المشترك ينسد فيه باب الترجيح) هو بعض مما ينبغي أن يقال هنا إيضاحًا لهذه النقطة، كيف والأمر في حيز استنباط الأحكام، ومعرفة أسرار التشريع، وما به يخرج المكلف من العهدة. فلا يمكن أن يكون تكليف دون بيان وإيضاح، وكل ما له علاقة بالتكليف أو للناس حاجة لحكمه في الدنيا، فقد رحم الله عباده وأتاهم بما يوضحه ويبينه؛ ليكونوا من أمرهم على هدًى ومن طريقهم على بيَّنة، وإن كانوا يحتاجون إلى الاجتهاد مع بعض حالات البيان (١). إذ كيف يكلفهم بشيء لا يخرجون من العهدة إلا بأن يعملوا به إن كان أمرًا، أو بأن يجتنبوه إن كان نهيًا وهو أمر لا يمكن أن يصل إليهم علمه، لا شك أن رحمة الله، وما كان من خصائص التشريع القرآني في رفع الحرج يأبى ذلك (٢).


(١) والحاجة إلى معرفة المكلف بما يكلف به هو ما يسمى اليوم بـ (علنية القوانين).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" (٦/ ١٨٠ - ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>