للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي معرض ذلك يقرر إمام المفسرين ابن جرير الطبري أن جميع ما أنزل الله ﷿ من آي القرآن على رسوله ، فإنما أنزله بيانًا له ولأمته وهدًى للعالمين، وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه، ولا أن يكون فيه ما بهم إليه حاجة، ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل …

ولقد أوضح ابن جرير ما أراد من الحاجة وعدمها، فأورد قول الله ﷿: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨].

قال أبو جعفر: (فأعلم النبي أمته، أن تلك الآية التي أخبر الله جلّ ثناؤه عباده، أنها إذا جاءت لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك هي: طلوع الشمس من مغربها؛ فالذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك: هو العلم بوقت نفع التوبة بصفته، بغير تحديده بعدد السنين والشهور والأيام، فقد بيّن الله لهم ذلك بدلالة الكتاب، وأوضحه لهم على لسان رسوله مفسرًا. والذي لا حاجة بهم إلى علمه منه: هو العلم بمقدار المدة التي بينَ وقتِ نزول هذه الآية، ووقت حدوث تلك الآية؛ فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا، وذلك هو العلم الذي استأثر الله جلّ ثناؤه به دون خلقه فحجبه عنهم) (١).

وهكذا يتقرر لدينا أن المتشابه بالمعنى الذي حدّده أصوليون الحنفية في المرحلة الثانية، لا تبدو له نسبة حقيقية إلى مباحث أصول الفقه، وإنما هي نسبة مجازية لتتميم أقسام المبهم حسب تدرجها في الإبهام.

فالخفي عرض له الغموض، ولم يكن من ذاته، وهو غموض يزول بأدنى تأمُّل.


(١) "تفسير الطبري" (٦/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>