للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدلالة عنه كما وصفت، أو بإجماع المسلمين: أنه على باطن دون ظاهر (١)، وخاصٍّ دون عام، فيجعلونه بما جاءت عليه الدلالة، ويطيعونه في الأمرين جميعًا) (٢) وأكّد ذلك في موطن آخر فقال: (كل كلام كان عامًا ظاهرًا في سنّة رسول الله، فهو على ظهوره وعمومه، حتى يعلم حديث ثابت عن رسول الله - بأبي هو وأمي - يدل على أنه إنما أُريد في الجملة العامة في الظاهر: بعض الجملة دون بعض، كما وصفت من هذا، وما كان في مثل معناه) (٣) وبالواضح من البيان اتجه الشافعي إلى تقرير هذا الأصل في كتابه "اختلاف الحديث" (٤).

فالقرآن عربي، والأحكام فيه على ظاهرها وعمومها؛ ليس لأحد أن يحيل منها ظاهرًا إلى باطن، ولا عامًا إلى خاص، إلا بدلالة من كتاب الله، فإن لم تكن، فسنّة رسول الله تدل على أنه خاص دون عام، أو باطن دون ظاهر، أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابًا ولا سنّة، وهكذا السنّة.

ويرى الشافعي أن الوقوف عند الظاهر، وعدم الجنوح إلى الباطن والتأويل إلا بدليل: فيه العصمة عن الضياع في تعدد المعاني المحتملة، وانعدام الحجة لأحد على أحد.

كما يرى الإمام ابن إدريس، أنه لو جاز في الحديث أن يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنًى باطن يحتمله، كان أكثر الحديث يحتمل عددًا من


(١) (الظاهر) في كلام الشافعي والطبري وغيرهما - كما يبدو في عدة مواطن - يراد به: ما تعرفه العرب من كلامها في مخاطباتها، أما (الباطن) فهو ما يدركه العلماء من طريق الفقه والاستنباط، وليس (الباطن) الذي يتسلح به أهل الضلالة والأهواء عند تفسيرهم للنصوص، فيؤولون تلك التأويلات الباطلة التي لا يصلها بالعربية نسب، ولا تتفق مع مفهومات الشريعة في قليل ولا كثير.
(٢) "الرسالة" (ص ٣٢٢).
(٣) المصدر السابق (ص ٣٤١).
(٤) انظر: "اختلاف الحديث" بهامش الجزء السابع من "الأم" (ص ٢٧ - ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>