للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - ومما ينبني على نص شرعي في التأويل: حكم مشروعية الانتفاع بجلد الميتة (١)؛ فقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] ظاهر في تحريم جلدها دبغ أو لم يدبغ؛ لأن اللفظ عام يتناول جميع أجزائها، غير أن في الآية احتمال أن يكون الجلد غيرَ مراد بالعموم، من جهة أن إضافة التحريم إلى الميتة، يقتضي عرفًا تحريم الأكل، والجلد غير مأكول، فلا يتناوله عموم التحريم.

وقد قوي هذا الاحتمال بما روي عن ابن عباس أن رسول الله قال: "أيَّما إهاب دبغ فقد طهر" (٢) والحديث ظاهر عام، يتناول بعمومه إهاب الميتة.

ولكن حديثًا آخر ورد في شاة أُهديت لمولاة ميمونة، فماتت، حيث قال رسول الله فيما رواه ابن عباس: "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" فقالوا: إنها ميتة، فقال: "إنما حرم أكلها" (٣).

فهذا النص جعلنا نحكم بسلامة التأويل الذي يقضي بإخراج ما دبغ من جلود الميتة، وحِلِّ الانتفاع به: من عموم التحريم في الآية الكريمة (٤).

ج - ومثل ذلك ما ورد في شأن الدم من الآية نفسها، فقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] يشمل بعمومه تحريم الدم المسفوح وغير المسفوح، وقد صرف هذا العام عن عمومه بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ


(١) تعددت المذاهب في حكم الانتفاع بجلد الميتة بشكل عام. وإذا سلم الانتفاع فهل يشمل الكلب والخنزير أم لا؟ ذكر النووي في شرحه على مسلم سبعة مذاهب، وأفاض الشوكاني في ذلك. وعلى كلٍّ فقد نسب القول بعدم الانتفاع بجلد الميتة وأنه لا يظهر شيء من جلود الميتة بالدباغ، إلى عمر بن الخطاب وولده عبد الله وعائشة، وهو إحدى الروايتين من أحمد، وإحدى الروايتين عن مالك "نيل الأوطار" (١/ ٧٣/ ٧٤).
(٢) أخرجه أحمد (٣١٩٨)، ومسلم (٣٦٦)، وأبو داود (٤١٢٠)، والترمذي (١٧٢٨)، وابن ماجه (٣٦٠٩)، والنسائي (٤٢٤١).
(٣) رواه أصحاب الكتب السنة: البخاري (٢٢٢١) و (٥٥٣١)، مسلم (٣٦٣)، أبو داود (٤٢١٠)، الترمذي (١٧٢٧)، النسائي (٤٢٣٧)، ابن ماجه (٣٦١٠)، وأحمد (٢٣٦٩) بألفاظ مختلفة، وانظر: "منتقى الأخبار" للمجد بن تيمية مع "نيل الأوطار" للشوكاني (١/ ٧٢ - ٧٥).
(٤) راجع: "المهذب" للشيرازي (١/ ١٠)، "البدائع" للكاساني (١/ ٨٥ - ٨٦)، "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" (١/ ٦٣)، "نزهة الخاطر" لبدران شرح "روضة الناظر" لابن قدامة (٢/ ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>