للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: ١٤٥] فأفادت الآية الثانية تخصيص الآية الأولى؛ وذلك ببيان أن المراد بالدم المحرّم: هو الدم المسفوح. وهكذا تساعد الآية الثانية التي ذكر فيها الدم المسفوح على تأويل الدم في الآية الأولى - وهو ظاهر عام يشمل المسفوح وغيره - بالدم المسفوح؛ فهو الحرام وما عداه حلال (١).

د - وقد يمثل لتأويل الظاهر بالقياس الراجح بمسألة الإطعام في كفارة القطع؛ فالله تعالى لم يذكر الإطعام في كفارة القتل الخطأ. وتركُ ذلك ظاهر في عدم وجوبه، إذ لو كان واجبًا لذكره كما ذكر التحرير والصيام. وعلى مذهب من يرى القياس في مثل هذا الباب، يمكن إثبات الإطعام في كفارة القتل قياسًا على إثباته في كفارة الظهار والصيام؛ لأن الكفارات حقوق الله تعالى، وحكم الامتثال واحد؛ فثبوت الإطعام في تلك الكفارات: تنبيه على إثباته في كفارة القتل (٢) وسيأتي لذلك نظائر في حينها إن شاء الله.

هـ - ومن تأويل الظاهر بغرض الشارع أو حكمة التشريع: تأويل الحنفية في شأن الزكاة بعضَ الذوات بقيمتها، ففي قوله : "في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة" (٣) صرفوا نص الحديث عن ظاهره الدال على أن الذي


(١) "نزهة الخاطر" لبدران (٢/ ٣٥)، "بداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٤٦٧).
(٢) راجع: "روضة الناظر" لابن قدامة مع "نزهة الخاطر" لبدران (٢/ ٣٥). وانظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢١٧)، "تخريج الفروع على الأصول" (ص ٥٦ - ٥٧).
(٣) اختلفت الروايات التي جاءت على ذكر سائمة الغنم في حديث الصدقة الذي رواه أنس عن أبي بكر ؛ فرواية البخاري: "وفي صدقة الغنم في سائمتها" وعند أحمد في "مسنده" وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم في "المستدرك" جاءت الرواية بلفظ: "وفي سائمة الغنم من كل أربعين شاة شاة … إلخ" وهذه الرواية ذكرها ابن حزم في "المحلى" وفي رواية لأبي داود: "وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين … إلخ" وأخرج البيهقي في "سننه الكبرى": "وصدقة الغنم في سائمتها .. ".
انظر: "صحيح البخاري" مع "فتح الباري" لابن حجر (٣/ ٢٠٦)، "سنن النسائي" (٥/ ٢٨)، "معالم السنن" للخطابي (٢/ ١٩)، "المحلى" لابن حزم (٦/ ٤٦)، "السنن الكبرى" للبيهقي (٤/ ١٠٠)، "الجامع الصغير" للسيوطي مع شرحه للعزيزي (٣/ ٣٠)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٤/ ١٣٤ - ١٤٠)، "تخريج الفروع على الأصول" للزنجاني تحقيق المؤلف (ص ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>