للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بك، أي: غسلك وطهّرك من الذنوب، ولذا قالوا: إن المراد بقراءة الخفض هو الغسل المراد بقراءة النصب التي لا احتمال فيها.

ثم: إن قراءة النصب في ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ صريحة في عطف الأرجل على الأيدي، فتحمل قراءة الخفض على المجاورة (١).

على أن هنالك آثارًا عن الصحابة، تعطي أن المسح في الرأس إنما دخل بين ما يغسل؛ لبيان الترتيب في المغسول قبل الرجلين، والتقدير: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم).

هذا: وقد ذكر القرطبي في "تفسيره" عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قرأ الحسن والحسين - رحمة الله عليهما - على عليٍّ ﴿وَأَرْجُلِكُمْ﴾ أي بالخفض - فسمع علي ذلك - وكان يقضي بين الناس فقال: ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ - يعني بالنصب - هذا من المقدم والمؤخر من الكلام، وروي عنه "اغسلوا الأقدام إلى الكعبين" (٢).

وهكذا يكون تأويل الآية بترك الغسل للرجلين، والاكتفاء بالمسح، تأويلًا بعيدًا، ويكون التأويل القريب المقبول حمل قراءة الخفض على قراءة النصب، لما ثبت من الآثار، ولما يشهد به صحيح اللغة واستعمال مَن بلُغتهم أُنزل الكتاب (٣).

ب - ومن التأويل البعيد أيضًا: ما نسب إلى الشافعية في قول الرسول : "مَن ملك ذا رحمٍ محرم فهو حر" (٤) فقد حملوا ذا الرحم


(١) راجع: "البرهان" (لوحة ١٥٦)، "الإحكام" للآمدي (٣/ ٨٩).
(٢) "تفسير القرطبي" (٥/ ٩١ - ٩٣).
(٣) راجع: "معالم السنن" (١/ ٥٠ - ٥١)، "الهداية" مع "فتح القدير" (١/ ٨)، "بدائع الصنائع" للكاساني (١/ ٥ - ٦).
(٤) رواه أحمد (٢٠١٦٧) وأبو داود (٣٩٤٩)، والترمذي (١٣٦٥)، وابن ماجه (٢٥٢٤) عن الحسن من رواية سمرة. وفي لفظ الأحمد "فهو عتيق". وبهذا اللفظ أيضًا أخرجه البيهقي من حديث ابن عمر . انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (١٠/ ٢٨٩)، "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٦/ ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>