للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قوله جلَّ وعلا: ﴿وَوَرِثَهُ أَبْوَاهُ﴾ في صدر الكلام، أوجب الشركة في الميراث من غير بيان نصيب كل من الأبوين.

وتخصيص الأم بالثلث في قوله: ﴿فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ صار بيانًا لاستحقاق الأب للباقي من التركة وهو الثلثان؛ إذ إن صدر الكلام مسوق لبيان نصيب كل من الأب والأم (١).

وبذلك صار نصيب الأب، كالمنصوص عليه عند ذكر الأم، كأنه قيل: فلأمه الثلث ولأبيه ما بقي؛ لأن إثبات الشركة - كما قالوا - على وجه الاختصاص بالشركتين، وتعيين نصيب أحدهما: تعيينٌ لنصيب الآخر بالضرورة (٢).

وهكذا لم يحصل البيان بمجرد ترك التنصيص على نصيب الأب، بل بدلالة صدر الكلام، وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ﴾ إذ صار نصيب الأب لذلك، كالمنصوص عليه (٣).

النوع الثاني: البيان بدلالة حال الساكت الذي وظيفته البيان، أو من شأنه التكلم في الحادثة؛ بسبب سكوته عند الحاجة إلى البيان (٤). لأن البيان


(١) انظر: "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" الطبري (٨/ ٣٨) "أحكام القرآن" للجصاص (٢/ ٩٨)، "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠)، "شرح السراجية" للسيد الجرجاني (١٤ - ١٥).
(٢) انظر: "حاشية الرهاوي" على شرح ابن ملك لمنار النسفي (٢/ ٧٠٤).
(٣) "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠) وقد ذكر البزدوي والسرخسي بعض النظائر لذلك في مسائل الفقه. قال شمس الأئمة: (وعلى هذا قال أصحابنا في المضاربة: إذا بيّن رب المال حصة المضارب من الربح، ولم يبين حصة نفسه: جاز العقد قياسًا واستحسانًا، لأن المضارب هو الذي يستحق بالشرط؛ وإنما الحاجة إلى بيان نصيبه خاصة، وقد وجد. ولو بيّن نصيب نفسه من الربح، ولم يبين نصيب المضارب: جاز العقد استحسانًا، لأن مقتضى المضاربة الشركة بينهما الربح، فبيان نصيب أحدهما يصير نصيب الآخر معلومًا، ويجعل ذلك كالمنطوق به فكأنه قال: ولك ما بقي .... وكذلك لو قال في وصيته: أوصيت لفلان وفلان بألف درهم؛ لفلان منها أربعمائة، فإن ذلك بيان أن للآخر ستمائة بمنزلة ما لو نصّ عليه). انظر: "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠)، "أصول البزدوي" (٣/ ٨٦٧).
(٤) راجع: "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠)، "التوضيح" لصدر الشريعة، و "التلويح" للتفتازاني (٢/ ٣٦ - ٤٠)، "تسهيل الوصول" للمحلاوي (ص ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>