للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجب عند الحاجة إليه، وذلك كسكوت صاحب الشرع صلوات الله عليه عن أمر يعاينه، من قول أو فعل، عن التغيير؛ كالذي شاهد من بياعات ومعاملات كان الناس يتعاملونها فيما بينهم، ومآكل ومشارب وملابس كانوا يستديمون مباشرتها، فأقرهم عليها، ولم ينكرها عليهم. فسكوته ، وهو الموحى إليه بيان الشريعة، دلّ أن جميعها مباح في الشرع، إذ لا يجوز من النبي أن يقر الناس على منكر محظور؛ ضرورة أن الشارع لا يسكت عن تغيير الباطل، وأن الله تعالى وصف نبيه بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في قوله جلّ ذكره: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (الأعراف: ١٥٧) فكان سكوته بيانًا، يدل على أن ما أقرهم عليه داخل في المعروف، خارج عن المنكر (١).

ومن هذا البيان: سكوت الصحابة على أمر يفتي به عالم منهم، أو قضاء يقضي به مسؤول، فقد جُعل سكونهم بيانًا، لسلامة الفتوى التي صدرت من ذلك الصحابي، أو ذلك القضاء الذي صدر عمّن قضى به، وأن الأمر لم يخرج عن دائرة الشرع؛ لأن الواجب عليهم البيان بصفة الكمال، فسكوتهم بعد وجوب البيان: بيان.

وقد ذكر علماء الحنفية مثالًا لذلك: سكوتهم - عليهم الرضوان - عن تقويم منفعة البدل في ولد المغرور، وهو الذي يطأ امرأة معتمدًا على ملك يمين، أو نكاح، على ظن أنها حرة، فتلد منه ثم تستحق. وقد قضى عمرُ في واقعة كهذه بالجارية لمولاها، وقضى على أبي الأولاد أن يفدي أولاده: الغلام بالغلام، والجارية بالجارية، من حيث القيمة، وسكت عن تقويم منافع الأمة المستحقة، وكان ذلك بمحضر من الصحابة، فكان سكوته دليلًا على أن قيمة المنافع غير مضمونة، لأن الموضع موضع حاجة إلى البيان (٢).

ومنه أيضًا: سكوت البكر في النكاح، إذا بلغها نكاح الولي؛ فقد جُعل


(١) انظر: "كشف الأسرار" على أصول البزدوي لعبد العزيز البخاري (٣/ ٨٦٨).
(٢) "أصول البزدوي" (٣/ ٨٦٩ - ٨٧٠) مع "كشف الأسرار"، "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠ - ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>