للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سكوتها بيانًا للرضا؛ وذلك لأجل الحياء الذي يمنعها من إظهار الرغبة في الرجال، وما دامت تستحيي من إظهار هذه الرغبة: اعتبر سكوتها إجازة بدلالة حالها (١).

النوع الثالث: دلالة السكوت الذي جُعل بيانًا لضرورة دفع وقوع الناس في الغرر. وقد مثّلوا له: بسكوت المولى إذا رأى عبده يبيع ويشتري؛ فإن سكوته عن النهي يُجعل - كما يقول السرخسي - إذنًا له في التجارة، لضرورة دفع الغرور عن أولئك الذين يعاملون العبد؛ فإن الناس لا يتمكنون من استطلاع رأي المولى في كل معاملة مع عبده، وإنما يتمكنون من التصرف بمرأى العين من المولى، ويستدلون بسكوته على رضاه، وهكذا جُعل سكوته كالتصريح بالإذن، لضرورة دفع الغرور.

ومن هذا النوع عند البزدوي والسرخسي ومن تبعهما: سكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد العلم بالبيع، فإن هذا السكوت من الشفيع في مثل هذه الحال: يُجعل بمنزلة إسقاط الشفعة، وإنما جعل كذلك، لضرورة دفع الغرر عن المشتري (٢).

النوع الرابع: ما يثبت ضرورة اختصار الكلام.

ومثاله عند الحنفية: ما إذا قال: لفلان عليّ مائة ودرهم، أو مائة ودينار، فإن ذلك بيان أن المعطوف وهو الدرهم أو الدينار من جنس المعطوف عليه وهو المائة؛ فيكون لفظ درهم، أو دينار، تفسيرًا لـ (مائة) في قوله: مائة درهم، أو مائة دينار؛ إذ كل من الدرهم والدينار بيّن بنفسه. ومثل البيِّن بنفسه: المقدرات الشرعية، كالمكيل والموزون؛ كأن يقول: لفلان عليّ مائة وقفيز حنطة، أو مائة وقنطار زيت؛ فإن كلًا من القفيز


(١) ولقد جعلوا من أمثلة هذا البيان أيضًا نكول المدعى عليه، وهو امتناعه عن الحلف بعد توجه اليمين عليه، فهذا النكول بيان لحال الناكل، وهي امتناعه عن أداء ما لزمه مع القدرة عليه. "أصول البزدوي" (٣/ ٨٦٩ - ٨٧٠)، "أصول السرخسي" (٢/ ٥٠ - ٥١)، "التلويح" على التوضيح (٢/ ٤٠).
(٢) "أصول البزدوي" مع "كشف الأسرار" (٣/ ٨٧٢)، "أصول السرخسي" (٢/ ٥١)، "المنار" للنسفي مع "شرحه" لابن ملك و"حاشيتَي الرهاوي وعزمي زاده" (٢/ ٧٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>