للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أن يفتح باب التأويل على مصراعيه بعيدًا عن مفهومات الشريعة ومدلولات لغة الخطاب فيها، التي هي لغة القرآن، ولسان المبين عن ربه محمد - صلوات الله وسلامه عليه - فذلك هو النزول على حكم الهوى والسير وراء الشهرة، والانقياد للنزعات التي قد تشقي صاحبها، أو تودي به إلى مهاوي الضلال.

ولقد جنحت بعض الفرق إلى تأويل النصوص، حسب العقيدة التي ارتضاها أصحابها لأنفسهم، حيث أصبحت عندهم أفكار ثابتة غير مرضيَّة، وباتت عملية التأويل عملية شد وجذب لهذه النصوص إلى الفكر الذي يريدون، والطريق التي يسلكون.

والأمثلة على ذلك موفورة لمن أراد، ولكنا نجتزئ هنا باليسير من تلك التأويلات.

١ - "فالمرجئة"، مثلًا: عندما قرروا أن الله تعالى لا يعاقب أحدًا من المسلمين؛ إذ العمل مؤخر عن النية والقصد، كما أنه لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة (١)، عمدوا إلى تأويل الآيات والأخبار الدالة على العقاب، سواء في ذلك المتعلق منها بالعقائد، أو المرتبط بالأحكام التكليفية، فقالوا: (كل الآيات والأخبار الدالة على العقاب ليس المراد منها ظاهرها بل المراد التخويف، وفائدته الإحجام عن المعاصي).

والخطورة التي تكمن وراء هذا الاتجاه واضحة لكل ذي عينين. وأبسط ما في الأمر تعطيل نصوص الكتاب والسنّة، بإهمال مدلولاتها. لذلك قال البيضاوي: (إن فتح هذا الباب يرفع الوثوق عن أقوال الله تعالى وأقوال رسوله؛ إذ ما من خطاب إلا ويحتمل أن يراد به غير ظاهره. وأيضًا فالإحجام إنما يكون عند العقاب ولا عقاب) (٢).


(١) انظر لتفصيل القول في "المرجئة": "الملل والنحل" للشهرستاني المطبوع على هامش "الفصل" لابن حزم (١/ ١٨٦)، "فجر الإسلام" لأحمد أمين (ص ٢٩٢ - ٢٩٣).
(٢) "منهاج البيضاوي" بشرح الإسنوي تعليق الشيخ بخيت (٢/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>