للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب - أما "الباطنية": فلهم تأويلات يطول مجال استقصائها. وحسبك أنهم - في سبيل ما يهدفون إليه من هدم الإسلام - قد ألقوا ستارًا على ظاهر الكتاب والسنّة، وأعطوا لأنفسهم الحق في مخالفة أي عرف لغوي أو شرعي، ما دام الفهم الذي أرادوه متوافقًا مع ما زيّن لهم الهوى وسؤل لهم الشيطان وأصبح أفكارًا ثابتة تعتبر هي الأصل، وتقوم المحاولات لشد النصوص إليها؛ فأفكارهم متبوعة، والنصوص تابعة. ووظيفة هذه النصوص ملء القوالب التي يريدون والعياذ بالله تعالى (١).

فلقد أوّلوا ثعبان موسى من قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ بـ "حجته" (٢).

كما أوّلوا نبع الماء من بين الأصابع بكثرة العلم (٣).

وفرضت عليهم الإباحية والتحلُّل من ربقة الدين أن يؤولوا الأمهات في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣)[النساء]، بالعلماء الأئمة، وأن يؤولوا التحريم بالمخالفة، وانتهاك الحرمة، واستحلُّوا بذلك ما حرَّم الله؛ فحلالٌ نكاح البنات والأخوات وجميع المحارم، بحجة أن الأخ أحق بأخته، والأب أولى بابنته. . إلخ. ولا غرابة في هذا ما داموا قد حوّلوا الآية عما أُنزلت من أجله في بيان المحرَّمات من النساء، بما أوّلوها ذلك التأويل الباطل الذي لا


(١) انظر للباطنية بشعبها وفرقها التي وصل بعضها إلى حدود الوثنية من سوء التأويل: "الملل والنحل" للشهرستاني (١/ ١٩٥ - ٢٢٤، ٢/ ١) فما بعدها.
(٢) في الكلام عن عصا موسى جاء قول الله تعالى: ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (٢٠)﴾ [طه].
(٣) روي حديث نبع الماء من بين أصابعه جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود. وانظر: "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" (١/ ٢٨٥ - ٢٨٧) للقاضي عياض اليحصبي، المتوفى سنة ٥٤٥ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>