للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تركنا الشعبة الأولى من المسألة، وهي إهراق الماء وغسل الإناء بالماء سبع مرات أولاهن بالتراب، نرى العجب فيما بقي.

إن ابن حزم يريد النص!! ولم يأتِ نص باجتناب الماء الذي يغسل به الإناء الذي ولغ فيه الكلب، ولا شريعة - كما يقول - إلا بما أخبر به رسول الله ، وما عدا ذلك فهو مما لم يأذن به رسول الله تعالى. والماء حلال شربه، طاهر، فلا يحرم إلا بأمر منه .

ولكنا لا نوافق أبا محمد على ما ذهب إليه، ونرى أن في الحديث دليلًا على أن الماء المولوغ فيه نجس؛ ذلك لأن الذي قد مسّه الكلب هو الماء دون الإناء، فلولا أن الماء نجس لم يجب تطهير الإناء منه (١). ودلالة الحديث على ما نقول: هي الدلالة الصريحة الواضحة التي لا تحتاج إلى تأويل (٢).

وهكذا كانت شدة التمسك بالظاهر عند ابن حزم على هذا النحو: مدعاة لترك مدلول الظاهر نفسه.

وإن تعجب: فعجبٌ وقوفه عند الظاهر من الولوغ في الإناء؛ فالرسول كما يرى هو - أمر بهرق ما في الإناء إذا ولغ فيه الكلب، ولم يخص شيئًا من شيء، ولم يأمر باجتناب ما ولغ فيه في غير الإناء، بل نهى عن إضاعة المال.

فالمنجّس هو الولوغ والمتنجّس هو الإناء، بهذا أتى النص، فما ولغ فيه في غير الإناء: في بقعة أرض، أو يد إنسان أو فيما لا يسمى إناء فلا مدعاة لغسله، ولا هرق ما فيه.

وإذا كان المنصوص عليه هو الولوغ: فالحفاظ على الوقوف عند الذي


(١) انظر: "معالم السنن" للخطابي (١/ ٤٠).
(٢) قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على كلام ابن حزم: (معاذ الله أن يكون هذا الماء طاهرًا وهو مما دلّ قوله : "طهور إناء أحدكم" على نجاسته بمعناه الظاهر الذي لا يحتاج إلى تأويل، وهو ماء قذر مستكرَه) "المحلى" (١/ ١١١) الحاشية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>