أذن الله به من الشريعة: أن يفرق بين الولوغ وغيره. فما عدا الولوغ؛ كأن يأكل الكلب في الإناء، أو يقع فيه، أو يُدخل فيه بعض أعضائه من ذنَب أو يد أو رجل: فهو طاهر لا يحرم ولا ينجس إلا بدليل. ولا دليل.
وقد اعتمد ابن حزم في ذلك على الاستصحاب (١)، إذ الأصل في المباحات الطهارة فما كان من مطاعم ومشارب، وسائر المباحات فهو حلال بيقين، فلا ينتقل من حال الإباحة والطهارة، إلى حالة الحرمة والنجاسة إلا بنص، والنصُّ قد اقتصر على الولوغ في الإناء، وهذه خارجة عن النص، فيبقى ما ذهب إليه الجمهور في الحكم بالتنجيس والحرمة: دعوى بلا دليل.
أليس عجيبًا أن يغمض الإمام الظاهري أبو محمد عينيه عن معاني الشريعة التي تلتقي مع الطباع السليمة، ولا تتعدى حدود المعقول فيفرق بين أكل الكلب من الإناء وبين شربه منه؟! بل يفرق بين الشرب وبين وقوع الكلب فيه أو بعضه في الإناء. والكلب قذر في كل حال؟؟ إنه خوف التأويل - كما يرى - والحفاظ على شريعة الله أن ينالها التغيير والتبديل.
أما وجوب إزالة لعاب الكلب وعرقه في أي شيء كان: فليس دليله عند ابن حزم حديث الولوغ، وإنما هو تحريم الله كل ذي ناب من السباع، والكلب ذو ناب من السباع، فهو حرام بلا شك. ولعابه وعرقه حرام لأن بعض الحرام حرام، والحرام فرضٌ إزالته واجتنابه.
والإزالة هنا تصح عنده بكل ما يؤدي الغرض، ما عدا الثوب فلا تصح إزالة لعاب الكلب وعرقه عنه إلا بالماء لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾ [المدثر: ٤].
وفي أعقاب هذا الحكم، نريد أن نقول ما قاله الشيخ أحمد شاكر في هذا المقام:
(أفليس ما أكل منه الكلب من طعام، أو وقع فيه من شراب، أو دخل
(١) الاستصحاب هو: الحكم على الشيء بما كان ثابتًا له أو منفيًا عنه في الماضي لعدم قيام الدليل على تغييره.