للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذكر المشترك والمجمل. حتى إذا جاء المتأخرون، أوضحوا أن الاقتصار على ذكر المشترك والمجمل، لم يكن للحصر، وإنما كان تسامحًا عند التمثيل؛ فعرّف عبد العزيز البخاري هذا النوع من البيان بقوله: (هو بيان ما فيه خفاء من المشترك والمجمل ونحوهما) (١). وبعد أن مثّل صاحب "مرآة الأصول" بأكثر من المجمل والمشترك قال: (وإن تخصيص المشايخ المشترك والمجمل بالذكر تسامح) (٢).

وهكذا: قد يكون سبب الغموض والخفاء في النص: وجود لفظ فيه مشترك بين معنيين أو أكثر - كما سيأتي - ولم يعلم عن الشارع تعيين الواحد في المعنيين، أو المعاني التي وضع لها اللفظ. يبدو ذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ (البقرة: ٢٣٧).

فـ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ مشترك بين الزوج والولي .. وقد اختلفت أنظار العلماء في المراد منه في الآية الكريمة، وكانوا في ذلك على مذاهب عند تفسير النص كما سيأتي.

كما يبدو في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فلفظ (القرء) مشترك بين الحيض والطهر في أصل الوضع، وقد استعملته العرب في كليهما. ومن هنا اختلفت أنظار العلماء أيضًا في تحديد المراد منه في النص عند تفسيره (٣).

وقد يكون سبب الخفاء: الإجمال في اللفظ؛ كما إذا استعمل الشارع لفظًا في معنًى شرعي أراده، ولكنه أجمله ولم يفصِّله، مع أن للَّفظ معنًى خاصًّا به في الأصل.


(١) راجع: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (٣/ ٨٢٧) مع "أصول البزدوي".
وانظر: "أصول السرخسي" (٢/ ٢٨ - ٢٩) "المنار" للنسفي مع شرحه لابن ملك وحواشيه لابن الحلبي وعزمي زاده والرهاوي (٢/ ٦٨٩).
(٢) انظر: "المرآة" (٢/ ١٢٥).
(٣) راجع تفصيل مسألتي ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ و (القروء) فيما يأتي من مباحث: "المشكل والمشترك"، وانظر: "أصول الفقه" للأستاذ الشيخ زكريا البرديسي (ص ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>