للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك كما يُرى في ألفاظ الصلاة، والزكاة، والحج، والربا؛ فحين وردت هذه الألفاظ في نصوص الكتاب: لم يُرَدْ بها معانيها اللغوية، وإنما أريد بها معانٍ شرعيةٍ جاءت بمجيء الشريعة الجديدة، ولكن آيات الكتاب أجملت هذه الألفاظ ولم تبينها، وقد تكفلت السنن القولية والعملية ببيان هذا الإجمال وتفصيله، ليكون في مقدور المكلف أن يخرج من عهدة الامتثال لأوامر الشريعة، والاجتناب لنواهيها.

وقد يكون سبب الخفاء في النص: أن يكون فيه لفظ مشكل بأن يكون اللفظ مشتركًا كما أسلفنا، أو يكون فيه غرابة تدعو إلى ضرورة التفسير كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)[المعارج: ١٩ - ٢١] ولفظ (هَلُوع) لفظ غريب فكان لا بد من إزالة هذه الغرابة، ليزول الغموض والخفاء؛ والذي فسره وقرب معناه قوله تعالى: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١)﴾.

وقد يرد الخفاء عند التطبيق؛ كأن يكون في النص لفظ ظاهر فيما وضع له، ولكن التبس الأمر عند التطبيق على بعض الأفراد؛ لوجود وصف زائد في الفرد الجديد، أو نقصٍ فيه، أو لأي سبب من أسباب الالتباس، حيث يحتاج عند التطبيق إلى نظر، وتأمُّل، واستعانة بأمر خارج عن الصيغة؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]. حيث اشتبه الأمر عند تطبيق (السارق) على مرتكب جريمة فيها وصفُ زيادة أو نقص على السرقة؛ كالنبَّاش والطرَّار. ومن هنا يُرى أن الخفاء يمكن أن يكون من ذات اللفظ؛ كما في (المجمل، والمشكل) ويمكن أن يكون لعارض كما في (الخفي) (١).

وهكذا يكون بيان الخفاء في وظيفة (بيان التفسير) شاملًا لما قد يكون من عمل الشارع؛ كما في (المجمل)، ولما قد يكون من عمل المجتهد كما في (المشكل، والخفي).

هذا: ومما اختلف فيه عند العلماء (التخصيص) الذي هو: قصر العام على بعض أفراده:


(١) انظر فيما يأتي: مباحث "الواضح والمبهم من الألفاظ" عند الحنفية والمتكلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>