للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كان لهم بمكة بلدهم الذي هاجروا منه، ولكن لا سلطان لهم عليه الآن، فهم فقراء، وإذن: فالملكية الحقيقية إنما تكون بالسلطان على ما يملك، لا بنسبة المال فحسب، دون سلطان لصاحبه عليه. أما الكمال ابن الهمام: فيخالف الآخرين في التطبيق، ويرى أن الدلالة على زوال الملك هي دلالة اقتضاء لا دلالة إشارة. ولا نرى موافقته في هذا الرأي: لأن دلالة الاقتضاء - كما سيأتي - هي الدلالة على ما يتوقف عليه صحة الكلام شرعًا أو لغة. وهنا ليس الأمر كذلك، بل الدلالة واقعة باللازم، إذ يلزم من تسميتهم فقراء - مع إضافة الديار والأموال إليهم - زوال الملكية كما تقدم (١).

٢ - ومن أمثلة ذلك ما نجد في قول الله جلّ وعلا: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)[البقرة].

فهذا النص القرآنيُّ يدل بالعبارة، على إباحة الأكل والشرب والاستمتاع بالزوجات، في جميع الليل من أيام رمضان، إلى طلوع الفجر الصادق (٢).

ويدل بالإشارة على أن من أصبح جُنُبًا: فصومه في ذلك اليوم تام، لأن الله قال: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ وإذا كان الاتصال مباحًا في أي وقت من الليل، فقد يطلع الفجر عليه وهو جنب، لأن الاغتسال يكون بعد طلوع الفجر لا محالة، فيلزم من ذلك أن يحكم على الصيام بأنه تام في


(١) انظر: "التحرير" مع "التيسير" (١/ ٨٩).
(٢) رجع ابن العربي أن الآية نزلت في شأن عمر لما روى أبو داود في (أبواب الأذان) قال: جاء عمر فأراد أهله فقالت: إني قد نمت، فظنّ أنها تعتل فأتاها، فلما أصبح نزلت هذه الآية. انظر: "أحكام القرآن" (١/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>