للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(هي دلالة اللفظ على الحكم في شيء يوجد فيه معنى يفهم كل من يعرف اللغة أن الحكم في المنطوق لأجل ذلك المعنى) (١).

ومن هنا اعتبر العلماء أن الحكم الثابت بدلالة النص، ثابت بطريق المفهوم اللغوي، لا بطريق الاجتهاد والاستنباط؛ لأن موجَب الحكم الذي تحقق في المسكوت عنه - كما تحقق في عبارة النص - إنما كان إدراكه بمجرد المعرفة باللغة، وإن كان الظهور والوضوح على مراتب تتفاوت بحسب طبيعة النص، وحسب إدراك من يريد استنباط الحكم من النص.

ومسألة ثبوت الحكم بالمعنى اللغوي، جاءت صريحة فيما كتب البزدوي والسرخسي ومن تبعهما. قال فخر الإسلام: (وأما الثابت بدلالة النص: فما ثبت بمعنى النص لغةً لا استنباطًا) (٢).

وقال شمس الأئمة السرخسي: (فأما الثابت بدلالة النص: فهو ما ثبت بمعنى النظم لغة، لا استنباطًا بالرأي) (٣).

هذا: ولأن الحكم في هذه الدلالة يؤخذ من معنى النص، لا من لفظه سماها بعضهم "دلالة الدلالة" ويسميها الكثيرون "فحوى الخطاب" لأن فحوى الكلام معناه، ومنه قولهم - كما في "أساس البلاغة" -: عرفت ذلك في فحوى كلامه، بالمد: أي فيما تنسمت من مراده بما تكلم به، ولهذا المعنى أيضًا يسمونها "لحن الخطاب" لأن الفحوى واللحن والمعنى سواء (٤).

ويسميها الشافعية ومن معهم - كما سيأتي - "مفهوم الموافقة" لأن مدلول اللفظ في محل السكوت موافق لمدلوله في محل النطق، فما دلّت عليه العبارة وما دلّت عليه الدلالة: متوافقان في موجَب الحكم كما قدّمنا (٥).


(١) راجع: "التوضيح" مع "التلويح" (١/ ١٣١).
(٢) راجع: "أصول البزدوي" (١/ ٧٣) مع "شرحه" لعبد العزيز البخاري.
(٣) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٢٤١).
(٤) "أساس البلاغة" (ص ٢٣٥ - ٢٣٦)، وانظر: المادة في "المصباح المنير".
(٥) راجع: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري (١/ ٧٣)، "التلويح" (١/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>