للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا اختلفت التسميات لهذا الطريق من طرق الدلالة على الحكم، باختلاف النظرة إلى الوجوه المتعددة والحيثيات.

١ - ومما يذكر من أمثلة دلالة النص: ما يعطيه قول الله تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)[الإسراء: ٢٣].

فإن عبارة النص في الآية تدل على تحريم التأفيف، وأن الواجب على الولد أن يستعمل مع الوالدين حسن الخلق، ولين الجانب، والاحتمال، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما قد يستثقل من مؤنهما: ﴿أُفٍّ﴾، فضلًا عما يزيد عليه، فالله ضيّق الأمر في مراعاتهما - كما قال الزمخشري - حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنقلت من المتضجر، مع موجِبات الضجر ومقتضِياته، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في الاستطاعة (١).

وكل عارف باللغة العربية، يدرك أن المعنى الذي كان من أجله تحزيم هذا الأدنى من الكلام، وهو قول: ﴿أُفٍّ﴾ إنما هو الإيذاء والإيلام للوالدين، وأن المقصودَ من تحريم التأليف والنَّهر، كفُّ الأذى عنهما، ومراعاةُ حرمتهما.

وهذا المعنى موجود في الضرب والشتم وما أشبه ذلك، فيتناولها النص وتعتبر حرامًا، فتعطى حكم التأفيف والنهر الذي ثبت بعبارة النص، ويكون ثبوت التحريم فيها بـ "دلالة النص".

بل إن الشتم والضرب وما جرى مجراهما - من أي نوع من أنواع الأذى - تعتبر حرامًا بالأولى لأن الإيذاء - الذي أدركنا لغة أنه موجَب الحكم - موجود بشكل أوفى وأوضح في هذه الأمور، والنهي عن الأقل يحمل حتمية النهي عن الأكثر (٢).


(١) راجع: "الكشاف" للزمخشري (٢/ ٥١٣).
(٢) راجع: "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>