فعبارة النص في الشطر الأول من الآية: تدل على أن فريقًا من أهل الكتاب يتصف بالأمانة، إلى حد أنه لو ائتُمن على قنطار، فإنه يؤديه.
ويفهم من ذلك بطريق الأولى وبمجرد المعرفة باللغة: أن هذا الفريق لو كان ما ائتمن عليه أقلَّ من القنطار، فإنه يؤديه، لأن من يكون أمينًا في الكثير، فهو في القليل أمينٌ بالأولى.
والشطر الثاني من الآية: يدل العبارة على أن فريقًا آخر من أهل الكتاب أنفسهم يتسم بالخيانة، حتى إنه لو ائتمن على دينار فإنه لا يؤديه إلى مَن ائتمنه.
ويفهم من ذلك بطريق دلالة النص، أن هذا الفريق الذي لا يؤدي أمانة الدينار، لو ائتمن على ما هو أكثر من دينار، لا يؤديه إلى مَن ائتمنه عليه بالطريق الأولى؛ لأن مَن سمته الخيانة في القليل، فهو خائن في الكثير بالأولى.
وهكذا يكون معنى الآية: أن أهل الكتاب فيهم الأمين الذي يؤدي أمانتهم - وإن كانت كثيرة - وفيهم الخائن الذي لا يؤدي ما ائتمن عليه - وإن كان حقيرًا - ومَن كان أمينًا في الكثير فهو في القليل أمين بالأولى، ومَن كان خائنًا في القليل، فهو في الكثير خائن بالأولى (١).
٣ - ومن أمثلة دلالة النص أيضًا قوله جلّ وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)﴾ [النساء: ١٠].
فهذا النص القرآني يدل بعبارته على أن أكل أموال اليتامى ظلمًا حرام،
(١) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١١٢ - ١١٣)، تفسير "فتح القدير" للشوكاني (١/ ٣٢٢).