للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الحنفية والمالكية والحنابلة: فلم يروا وجوب الكفارة في القتل العمد؛ لأن العلة الموجبة لها في القتل الخطأ والتي تثبت بعبارة النص: إنما هي تدارك ما صدر من تهاون المخطئ وعدم تثبُّته، الأمر الذي أدى إلى إهلاك النفس المحترمة المعصومة. وليست الكفارة زجرًا؛ لأن المخطئ غير آثم واعتبار المأثم فيه ساقط.

فالعلة التي توافرت في القتل الخطأ، لم تتوافر في القتل العمد؛ إذ إنه كبيرة محضة، والجريمة فيه أقوى من الجريمة في القتل الخطأ، ولا يلزم من تدارك التهاون بالكفارة، صلاحيتها لتدارك ما هو الأقوى.

وما يُتدارك به الأخف، لا يصلح أن يُتداركَ به الأقوى، خصوصًا والخطأ لا مأثم فيه كما قدّمنا (١).

قال شارح "مسلم الثبوت": (ولا يلزم من محو شيء ذنبًا: محوُه ما هو أعلى منه، كيف ونفس الخطأ لا ذنب فيه) (٢).

وهكذا اختلف الحكم في القتل العمد، باختلاف العلة التي من أجلها رأى الأئمة وجوب الكفارة في القتل الخطأ.

٢ - ومثل هذا الاختلاف في هذه العلة، حصل الاختلاف في العلة التي أوجبت كفارة اليمين المنعقدة (٣) التي ثبتت بعبارة النص في قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ


(١) راجع: "تبيين الحقائق شرح الكنز" للزيلعي، و"حاشية الشلبي" (٦/ ٩٩ - ١٠٠)، "شرح القدوري" (ص ٣٢٣)، "المقنع" لابن قدامة (٣/ ٤٣٠)، "الرسالة" للقيرواني (ص ١٠٨)، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (٢٧٨) قال الدسوقي: إنما لم تجب الكفارة في العمد ووجبت في الخطأ، مع أن مقتضى الظاهر العكس، لأنهم رأوا أن العامد لا تكفيه الكفارة لجنايته، لأنها أعظم من أن تكفَّر كما قالوا في اليمين الغموس.
(٢) راجع: (١/ ٤٠٩) مع "فواتح الرحموت"، "أصول السرخسي" (١/ ٢٤٣)، "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (١/ ١١٣)، "المنار" وشروحه (١/ ٥٣٣).
(٣) مرّ بنا فيما سبق أن اليمين المنعقدة هي الحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وإذا حنث الحالف لزمته الكفارة، وانظر: "الهداية" مع "فتح القدير" (٤/ ٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>