ونتيجة لهذا الاختلاف: افترق الشافعية والحنفية في شأن كفارة اليمين الغموس (١).
فالإمام الشافعي الذي يرى أن علة الكفارة في المنعقدة: هو الزجر؛ رأى وجوب الكفارة في اليمين الغموس؛ لأنها فيها أوْلى وأحرى.
أما الحنفية: فلا يرون الزجر علة في اليمين المنعقدة، وإنما العلة تداركُ التهاون الذي صدر عنه انتهاك اسم الله تعالى، واليمين الغموس كبيرة لا يكفّرها - وهي الأقوى - ما كفَّر الأقل، وهو التهاون في اليمين المنعقدة، فلا تجب الكفارة في اليمين الغموس، كما لم تجب في كفارة القتل العمد حسبما قدّمنا آنفًا.
هذا: ويرى الباحث أن الأمر بين الشافعية والحنفية في حكم اليمين الغموس، لم يقتصر الاحتجاج فيه على دلالة النص وحدها.
فقد جاء في "السنن الكبرى" للبيهقي (قال الشافعي: فإن قال: وما
(١) اليمين الغموس: أن يحلف على أمر أنه كان ولم يكن، أو على أمر أنه لم يكن وكان. وفي "الهداية": (فالغموس هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه) قال ابن الهمام: وسميت غموسًا لغمسها صاحبها في الإثم في النار، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي أُمامة قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرَّم الله عليه الجنة، وأدخله النار". وفي "الصحيحين" البخاري (٢٤١٦) مسلم (١٣٨): "لقي الله وهو عليه غضبان". وفي "سنن أبي داود" (٣٢٤٣) من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن حلف على يمين مصبورة كاذبًا فليتبوأ مقعده من النار" والمراد بالمصبورة: الملزمة بالقضاء والحكم، أي المحبوس عليها، لأنها مصبور عليها. وقيل للشعبي: ما اليمين الغموس؟ قال: يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها كاذب. وهذه اليمين الغموس من الكبائر، وذلك لما ثبت في "صحيح البخاري" من حديث ابن عمر ﵄: أن أعرابيًا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الشرك بالله"، قال: ثم ماذا؟ قال: "عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس". وانظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ١٢٨) "الهداية" مع "فتح القدير والعناية" (٤/ ٣ - ٤).