للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٨٩].

ونتيجة لهذا الاختلاف: افترق الشافعية والحنفية في شأن كفارة اليمين الغموس (١).

فالإمام الشافعي الذي يرى أن علة الكفارة في المنعقدة: هو الزجر؛ رأى وجوب الكفارة في اليمين الغموس؛ لأنها فيها أوْلى وأحرى.

أما الحنفية: فلا يرون الزجر علة في اليمين المنعقدة، وإنما العلة تداركُ التهاون الذي صدر عنه انتهاك اسم الله تعالى، واليمين الغموس كبيرة لا يكفّرها - وهي الأقوى - ما كفَّر الأقل، وهو التهاون في اليمين المنعقدة، فلا تجب الكفارة في اليمين الغموس، كما لم تجب في كفارة القتل العمد حسبما قدّمنا آنفًا.

هذا: ويرى الباحث أن الأمر بين الشافعية والحنفية في حكم اليمين الغموس، لم يقتصر الاحتجاج فيه على دلالة النص وحدها.

فقد جاء في "السنن الكبرى" للبيهقي (قال الشافعي: فإن قال: وما


(١) اليمين الغموس: أن يحلف على أمر أنه كان ولم يكن، أو على أمر أنه لم يكن وكان. وفي "الهداية": (فالغموس هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه) قال ابن الهمام: وسميت غموسًا لغمسها صاحبها في الإثم في النار، وفي "صحيح ابن حبان" من حديث أبي أُمامة قال: قال رسول الله : "مَن حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم حرَّم الله عليه الجنة، وأدخله النار". وفي "الصحيحين" البخاري (٢٤١٦) مسلم (١٣٨): "لقي الله وهو عليه غضبان". وفي "سنن أبي داود" (٣٢٤٣) من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله : "مَن حلف على يمين مصبورة كاذبًا فليتبوأ مقعده من النار" والمراد بالمصبورة: الملزمة بالقضاء والحكم، أي المحبوس عليها، لأنها مصبور عليها. وقيل للشعبي: ما اليمين الغموس؟ قال: يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها كاذب. وهذه اليمين الغموس من الكبائر، وذلك لما ثبت في "صحيح البخاري" من حديث ابن عمر : أن أعرابيًا جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الشرك بالله"، قال: ثم ماذا؟ قال: "عقوق الوالدين" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس". وانظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ١٢٨) "الهداية" مع "فتح القدير والعناية" (٤/ ٣ - ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>