للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تبطل الصلاة عند الشافعية: لأن الحكم المرفوع يشمل الدنيوي والأخروي، فلا تبطل الصلاة بالكلام القليل في الدنيا، ولا يأثم المصلي الذي تكلم في صلاته مخطئًا أو ناسيًا: في الآخرة (١).

٢ - ومنها أيضًا أن مَن أكل مخطئًا أو مكرهًا - وهو صائم - فعليه القضاء عند الحنفية والمالكية. ولا قضاء عليه عند الشافعية والحنابلة وابن حزم (٢).

على أن دليل الشافعية هنا لم يكن مسألة عموم المقتضى فحسب - سيرًا مع القائلين بعموم المقتضى منهم - وذلك بأن يشمل الوضع الوارد في الحديث الإثم وهو الحكم الأخروي، كما يشمل الإفطار الذي يوجب القضاء وهو الحكم الدنيوي. بل اعتبروا المخطئ والمكره بالناسي الذي ورد حكمه فيما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلوات الله عليه وسلم قال: "مَن نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليُتِم صومه، فإنما الله أطعمه وسقاه" (٣). بل قالوا: المكره أوْلى من الناسي، لأنه مخاطَب بالأكل لدفع الضرر عن نفسه، والناسي ليس مخاطَبًا بأمر ولا نهي، ولذلك ردّ الإمام النووي في "المنهاج" قول مَن ادعى أن الأظهر في الصائم يأكل مكرهًا: أنه يفطر، فقال بعد هذا: (قلت: الأظهر لا يفطر).


(١) راجع: "منهاج النووي مع مغني المحتاج" (١/ ٤٣٠).
(٢) راجع "المحلى" (٦/ ٢٢٠)، "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (١/ ٥٢٥).
ويلاحظ أن المالكية اتفقوا مع الحنفية في وجوب القضاء على المفطر مكرهًا، مع أنهم يختلفون معهم - كما سنرى - في طلاق المكره إذ لا يرون وقوعه، والسبب في ذلك: أن المالكية متفقون مع الحنفية في عدم اشتراط الرضا في موانع العبادات، خلافًا للشافعية والحنابلة والظاهرية، ولكنهم مختلفون معهم في اشتراط الرضا للأسباب الناقلة للملكية التي لا تقبل الفسخ؛ كالطلاق والفسخ والخلع وأمثالهما. وانظر: "الإكراه بين الشريعة القانون" للأستاذ الشيخ زكريا البرديسي (ص ٣٩٣ - ٣٩٤).
(٣) رواه أحمد (٩٤٨٥) وأصحاب الكتب السنة إلا النسائي: البخاري (١٩٣٣)، مسلم (١١٥٥)، أبو داود (٢٣٩٨) الترمذي (٧٢١)، ابن ماجه (١٦٧٣). وانظر: "جامع الأصول" (٤٤٣١)، "صحيح مسلم بشرح النووي" (٢٧٠٩)، "فتح الباري مع الجامع الصحيح" (٦٦٦٩). وراجع: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٤/ ٢١٨)، "فتح القدير" (٢/ ٦٣)، "مغني المحتاج" مع "المنهاج" (١/ ٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>