للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا حقق النووي أن مذهب الشافعية عدم الفطر في حالة الإكراه (١). وإلى هذا القول جنح - من الحنفية - زفر أيضًا (٢).

أما الحنابلة: فقد اقتصروا في الاستدلال على أن من أكل مخطئًا أو مكرهًا - وهو صائم - لا يفطر بحديث: "إن الله وضع عن أُمتي … " إلخ، آخذين بعموم المقتضى، وأن المقدّر - وهو الحكم - لا يقتصر على الحكم الأخروي وهو المؤاخذة بالعقاب، وإنما يشمل الحكم الدنيوي أيضًا - وهو في مسألتنا عدم الفطر - لئلا يلزم القضاء، سواء أكل الصائم مخطئًا أو مكرهًا. وقد عدّ صاحب "المغني" المفطرات ثم قال: (إن المفطَّر للصوم في هذا كله ما كان عن عمد وقصد).

على أن الإكراه في حالة خاصة - وهو الإكراه بالوعيد - نقل عن بعضهم احتمالُ الفطر فيه (٣).

٣ - ومن المسائل التي يرتبط بها كثير من أحكام الحلال والحرام في الأسرة والعلاقات الزوجية مما له علاقة بالحديث المتقدم بناء على قاعدة عموم المقتضى: طلاق المكره، وهل يقع أو لا يقع؟ فللأئمة أنظار مختلفة في الموضوع.

صحيح أن الحديث لم يكن وحده محورَ الاستدلال، ولكنه كان في ضمن الأدلة التي كانت محط أنظار العلماء فيما كان من الحكم في هذه المسألة.

فالقول بعموم المقتضى، أو عدم القول به، كان ذا أثر يذكر في إعطاء الحكم.


(١) انظر: "المنهاج مع مغني المحتاج" (١/ ٤٣٠).
(٢) راجع: "بدائع الصنائع" (٢/ ٩١)، "الهداية" مع "فتح القدير" (٢/ ٦٢ - ٦٣).
(٣) قال ابن قدامة : (وأما إن أُكره على شيء من ذلك بالوعيد ففعله: فقال ابن عقيل: قال أصحابنا: لا يفطر به أيضًا لقول النبي : "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" قال: ويحتمل عندي أن يفطر لأنه فعل المفطر لدفع الضرر عن نفسه، فأشبه المريض يفطر لدفع المرض، ومن يشرب لدفع العطش). راجع: "المغني" (٣/ ١١٤ - ١١٥)، وانظر: "نيل الأوطار" (٤/ ٢١٨ - ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>