للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذن فالاقتضاء والإيماء ترتبطان بكون اللازم مقصودًا للمتكلم. بينما ترتبط الإشارة يكون اللازم غير مقصود له. والدلالات الثلاث منطوية تحت المنطوق غير الصريح.

وهكذا يكون لدينا تحت المنطوق أربع دلالات:

الأولى: دلالة المنطوق الصريح، وهي (دلالة اللفظ على الحكم بطريق المطابقة أو التضمن) وسمّاها صاحب "منهاج الوصول" من الزيدية بالنص (١) وأمثلة عبارة النص عند الحنفية: أمثلتها (٢).

الثانية: دلالة الاقتضاء، وهي (دلالة اللفظ على لازم مقصود للمتكلم يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته العقلية أو الشرعية).

وقد عرّفها الآمدي بقوله: (وهي ما كان المدلول فيه مضمرًا، إما لضرورة صدق الكلام، وإما لصحة وقوع الملفوظ) ثم بيّن أن صحة الملفوظ به: إما أن تتوقف على المضمر عقلًا أو شرعًا (٣). وقد مرّ بنا العديد من الأمثلة على ذلك لدى بحثنا لدلالة الاقتضاء عند الحنفية، وما تبع ذلك من مسألة المقتضى والمحذوف، وهل هما شيء واحد أو مختلفان، ومسألةِ عموم المقتضى وما جرى فيها من الخلاف (٤).

ونضيف هنا ما يمكن أن يمثّل به حال كون المضمر في الكلام مما تتوقف عليه صحة الكلام الشرعية، وذلك ما نراه في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] حيث قدّر العلماء مضمرًا هو "فأفطر"، وبذلك يكون مجرى النص: فمَن كان منكم مريضًا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر (٥).


(١) راجع: "منهاج الوصول إلى شرح معيار العقول" (ق ١٤١) فما بعدها.
(٢) انظر ما سبق (ص ٣٨٤).
(٣) راجع: "الأحكام" للآمدي (٣/ ٩١).
(٤) انظر ما سبق (ص ٤٤٥ - ٤٥٦).
(٥) راجع "أحكام القرآن" لابن العربي (١/ ٧٨)، "روضة الناظر" لابن قدامة مع الشرح لبدران (٢/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>