للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيان ذلك أن الجمهور على صحة صوم رمضان في السفر، خلافًا للإمام ابن حزم الذي يرى حرمة هذا الصوم في السفر ووجوب الفطر على المكلف (١).

وعليه: فقضاء الصوم على المسافر عند الجمهور، إنما يجب إذا أفطر في السفر. أما إذا صام في سفره: فلا موجب للقضاء، وعلى هذا فلا بد من إضمار (فأفطر) في الآية.

ولقد تأيّد مذهب الجمهور في الإضمار بالسنّة القولية والعملية؛ فقد ورد عن النبي عدد من الأحاديث التي تدل على صحة الصوم في السفر، وإذا صحّ صوم رمضان في السفر: فالقضاء لا يكون إلا على من أفطر.

من هذه الأحاديث ما روي عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي (٢) قال للنبي : أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال: "إن شئت فصُم وإن شئت فأفطر" (٣).


(١) قال : (ومَن سافر - سفر طاعة أو سفر معصية، أو لا طاعة ولا معصية -: ففرضٌ عليه الفطر إذا تجاوز ميلًا أو بلغه أو إزاءه. وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك في أيام أُخر، وله أن يصومه تطوعًا، أو عن واجب لزمه، أو قضاء عن رمضان حال لزمه، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره) "المحلى" (٦/ ٢٤٣).
هذا وقد حكي عن بعض الصحابة ورجال من السلف أنه لا يجزئ الصوم في السفر عن القرض، وأن مَن صام في السفر وجب عليه قضاؤه، ومن أهم ما استدل به لذلك ظاهر قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] فالظاهر من الآية: فعليه عدة، أو: فالواجب عدة خلافًا لما تأوله الجمهور: (فأفطر فعدة). وكذلك قوله فيما رواه البخاري: "ليس من البر الصيام في السفر". ومقابل البر الإثم، وإذا كان آثمًا بصومه لم يجزئه. وانظر "فتح الباري" مع "الجامع الصحيح" (٤/ ١٥٩).
(٢) هو الصحابي حمزة بن عمرو بن عويمر الأسلمي، أبو صالح، وقيل: أبو محمد، روي له عن رسول الله تسعة أحاديث منها حديث الصيام المذكور، وكان كثير العبادة، وقد شهد فتح إفريقية مع عبد الله بن سعد وكانت له فيها مقامات محمودة. توفي سنة إحدى وستين للهجرة وهو ابن إحدى وسبعين سنة وقيل ابن ثمانين.
(٣) أخرجه أحمد وأصحاب الكتب السنة واللفظ للبخاري: "الجامع الصحيح" مع "فتح الباري" (١٩٤٣) "صحيح مسلم بشرح النووي" (٢٦٢٠) "جامع الأصول" لابن الأثير (٤٥٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>