للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما ذكرناه من الحالات التي تظهر فيها دلالة الإيماء تتفاوت مراتبه، فأعلى الحالات رتبة ما ورد في كلام الله تعالى، ثم ما ورد في كلام رسوله، ثم ما ورد في كلام الراوي (١).

٢ - ومن هذا القبيل أيضًا: ما لو حدثت واقعة فرفعت إلى النبي ، فحكم عقيبها بحكم، فإنه يدل بطريق الإيماء والتنبيه على كون ما حدث: علةً لذلك الحكم.

وذلك كما سبق من حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله هلكت، قال: "ما أهلكك؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم - وفي رواية - أصبت أهلي في رمضان، فقال رسول الله : "هل تجد رقبة تعتقها؟ … " الحديث (٢) فإن الحكم بوجوب الكفارة على الأعرابي عقيب قوله: وقعت على امرأتي … يدل بطريق الإيماء والتنبيه على أن الوقاع كان علةً لوجوب الكفارة؛ وذلك لأنا تعلم أن الأعرابي إنما سأل النبي عن واقعته لبيان حكمها شرعًا، وأن النبي - وهو المبيَّن للشريعة - إنما ذكر ذلك الحكم في معرض الجواب له.

وإذا كان جوابًا عن سؤاله، فالسؤال الذي كان الحكم جوابًا عنه: يكون ذكرُه مقدّرًا في الجواب؛ فهو مذكور تقديرًا في كلام النبي للأعرابي فكأنه قال: واقعتَ فكفر. وفي نصوص الشريعة إذا رُتب الحكم على وصف بحرف "الفاء" التي هي للتعقيب أصالة: فإنه يدل بطريق الإيماء على أن هذا


(١) قال الآمدي: (سواء أكان - يعني الراوي - فقيهًا أم لم يكن. لكنه إن كان فقيهًا كان الظن بقوله أظهر. وإذا لم يكن فقيهًا، وإن كان في أدنى الرُتَب، غير أنه مغلَّب على الظن، لأنه إذا قال: سها رسول الله فسجد، فالظاهر من حاله مع كونه متديِّنًا عالِمًا يكون الفاء موضوعة للتعقيب: أنه لم يفهم إلا أن السهو سبب للسجود، وإلا لما رُتب السجود على السهو بالفاء، لما فيه من التدليس بنقل ما يفهم منه السببية، ولا يكون سببًا، بل ولما كان تعليقه للسجود بالسهر أوْلى من غيره) "الإحكام" (٣/ ٣٦٧ - ٣٦٨).
(٢) انظر ما سبق (ص ٤٢٩ - ٤٣١) راجع: "إحكام الآمدي" (٣/ ٣٦٨)، "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت" (٤١٣)، "إرشاد الفحول" (ص ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>