للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مثّلوا للقطعي بآية التأفيف، حيث عُلم من سياق الآية أن حكمة تحريم التأفيف: إنما هي دفع الأذى عن الوالدين. والأذى في الشتم والضرب: أشد.

كما مثلوا له بآية ائتمان أهل الكتاب (١). فالشق الأول من الآية: يدل على أن مؤدي القنطار يؤدي الدينار إذا اؤتمن عليه بطريق الأولى، لأن مؤدي الكثير يؤدي القليل بطريق الأولى، فالائتمان في القليل أشد وأقوى (٢).

واعتبروا من أمثلة الظني قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: ٩٢].

فإنه وإن دلّ على وجوب الكفارة في القتل العمد، لكونه أولى بالمؤاخذة - كما يقول الشافعي -: فإن ذلك ليس على سبيل القطع، إذ من المحتمل أن لا يكون موجِب الكفارة في القتل الخطأ هو المؤاخذة، لقوله : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه" وإنما يكون موجِبها التقصير الذي ترتب عليه إزهاق روح ذلك المؤمن (٣).

ومن أمثلته أيضًا قوله جلّ وعلا: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)[المائدة]. حيث وجبت الكفارة في اليمين المنعقدة.


(١) وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)﴾ [آل عمران].
(٢) راجع: "الإحكام" للآمدي (٩/ ٩٩)، "التحرير" مع "التيسير" (١/ ٩٥)، "التقرير والتحبير" (١/ ١١٣) "مسلم الثبوت" مع "فواتح الرحموت" (١/ ٤٠٩).
(٣) قال الآمدي: (ومن ذلك سميت كفارة. وجناية المتعمد فوق جناية المخطئ وعند ذلك فلا يلزم من كون الكفارة رافعة لإثم أدنى الجنايتين: أن تكون رافعة لإثم أعلاهما) "الإحكام" (٣/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>