للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الشافعي أوجب الكفارة في اليمين الغموس، بطريق الأولى.

وما قيل في كفارة القتل الخطأ: يقال هنا؛ فالدلالة عليها ظنية لا قطعية، لإمكان أن تكون الكفارة موجَبة بطريق التلافي للتهاون والتقصير، لا موجبة للزجر ورفع المؤاخذة التي وضعها حديث ابن عباس: "إن الله وضع عن أُمتي. . ." (١).

وإلى عدم وجوب الكفارة في القتل الخطأ واليمين الغموس: ذهب الحنفية كما رأينا من قبل (٢).

على أن الخلاف واقع في كون معنى العبادة هو الأغلب في الكفارة، أم معنى العقوبة، حتى لا يكون وجوبها في القتل العمد العدوان والغموس، مساويًا لوجوبها في القتل الخطأ واليمين المنعقدة، فضلًا عن أن يكون هذا الوجوب أولى فيهما، لجواز أن يكونا غير قابلين للتدارك والتلافي بهذا المقدّر وهو الكفارة، لعظمهما وكبر الجناية فيهما (٣).

ومن هنا جاز الاختلاف في مفهوم الموافقة الظني الذي ترتب عليه الاختلاف في عدد من الفروع والأحكام كما رأينا في هذين المثالين، وكما رأينا من اختلاف أبي يوسف ومحمد مع الإمام أبي حنيفة في وجوب الحد باللواطة، وقد مرّ في حينه، حيث أوجب الصاحبان فيه حد الزنى، ولم يوجب ذلك أبو حنيفة (٤).

ومما كان للاختلاف في حكمه علاقة بهذا الباب: القتل بالمثقَّل من حجر، أو خشب.

فقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى عدم وجوب القود به.


(١) راجع: "الآمدي" (٣/ ٩٩)، "ابن الحاجب" مع "شرح العضد وحاشية السعد" (٢/ ١٧٣)، "التحرير" مع "التيسير" (١/ ٩٦)، "التقرير والتحبير" (١/ ١١٤).
(٢) وانظر: "تخريج الفروع على الأصول" (ص ١٩٨).
(٣) راجع: "حاشية السعد على شرح العضد" (٢/ ١٧٣)، "التقرير والتحبير" (١/ ١١٥).
(٤) راجع ما سبق (ص ٤٣٨) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>