للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَن نظر إلى أن المعنى الذي هو مناط الحكم، والذي كان واسطة إلحاق المسكوت بالمنطوق، يدرك بمجرد معرفة اللغة دون حاجة إلى اجتهاد واستنباط، أسماء مفهوم موافقة أو دلالة نص.

وقد سلك هذه السبيل إمام الحرمين فاعتبر الخلاف لفظيًا. وأوضح ذلك الغزالي مصرحًا بأن مرد المسألة إلى الاصطلاح، وعلى الباحث إدراك حقيقة هذا الجنس من الدلالة (١).

واعتبار أن الخلاف نظري سلك سبيله أيضًا البيضاوي وعدد من الباحثين كالسعد التفتازاني (٢).

حتى إن البيضاوي جعل هذه الدلالة مفهومًا تارة، وقياسًا تارة أخرى، لأن لكل من التعبيرين وجهًا حسب النظرة إلى أوجه الدلالة نفسها (٣).

وعندما ذكر تاج الدين السبكي في "جمع الجوامع": (أن بين المفهوم والقياس تنافيًا) تعقّبه البناني (٤) في حاشيته، بأن هذا مخالف لقوله في "شرح المختصر": لا تنافي بينهما فإن للمفهوم جهتين، هو باعتبار إحداهما مستند إلى اللفظ: فكان مفهومًا، وباعتبار الأخرى: قياس، ومن ثم قال


(١) قال الغزالي في معرض آية التأفيف: (فإن قيل: الضرب حرام قياسًا على التأفيف؛ لأن التأفيف إنما حرم للإيذاء، وهذا الإيذاء فوقه، قلنا: إن أردت بكونه قياسًا: أنه محتاج إلى تأمُّل واستنباط علة: فهو خطأ، وإن أردت أنه مسكوت فُهم من منطوق، فهو صحيح بشرط أن يفهم أنه أسبق إلى الفهم من المنطوق، أو هو معه وليس متأخرًا عنه، وهذا قد يسمى مفهوم الموافقة، وقد يسمى فحوى اللفظ، ولكل فريق اصطلاح آخر، فلا تلتفت إلى الألفاظ واجتهد في إدراك حقيقة هذا الجنس). راجع: "المستصفى" (٢/ ١٩١ - ١٩٢).
(٢) راجع: "حاشية البناني على جمع الجوامع" (١/ ٢٤٥).
(٣) قال المحلى في "شرحه لجمع الجوامع": (ومنهم مَن جعله تارة مفهومًا وأخرى قياسًا كالبيضاوي، فقال الصفي الهندي: لا تنافي بينهما لأن المفهوم مسكوت والقياس إلحاق مسكوت بمنطوق) انظر: "جمع الجوامع" مع "شرح المحلى وحاشية البناني" (١/ ٢٤٥).
(٤) هو عبد الرحمن بن جاد الله من علماء المالكية. من مصنفاته: حاشيته على "شرح الجلال المحلى لجمع الجوامع". توفي سنة ١١٩٨ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>