للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالنَّفْسِ﴾ فهذا حديث عن التوراة، وأن الله فرض فيها على بني إسرائيل عقوبة قتل النفس، وذلك شرع لنا، لأن القرآن قرَّره ولم يرد ناسخ (١) بل هنالك ما يدل على تثبيته والأخذ به. وحصل الإجماع على أن الذكَر يقتل بالأنثى، ولم يؤخذ بمفهوم المخالفة.

ب - وقال جلّ وعلا: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (١٠١)[النساء].

فإن تقييد قصر الصلاة بالخوف، يدل بمفهومه المخالف على عدم جواز القصر في حالة الأمن.

ولكن مفهوم المخالفة لم يتحقق؛ لأن نصًّا خاصًّا قد دلّ على هذا الحكم في المسكوت عنه، وهو جواز القصر في حالة الأمن.

فقد ورد "أن يعلى بن أمية (٢) توقف في هذه الآية فسأل عمر بن الخطاب : كيف نقصر وقد أمنا؟ والله يقول: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فقال عمر: عجبت مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (٣) فدلّ هذا الحديث الذي ورد في جواب عمر ليعلى بن أمية أن شرط الخوف لم يرد للتقييد؛ فجواز قصر الصلاة من أربع إلى اثنتين في حالة الأمن قائم، وأنه صدقة من الله تصدّق بها على عباده، تخفيفًا، ودفعًا للحرج عنهم.


(١) وهذا بناء على القول المختار من أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ.
(٢) هو الصحابي يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي . استعمله عمر على بعض اليمن واستعمله عثمان على صنعاء، يقول النووي: روي له عن رسول الله ثمانية وعشرون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، قتل وهو مع علي بصفين سنة ٣٧ هـ.
(٣) رواه أحمد (٢٤٤) وأصحاب الكتب الستة إلا البخاري: مسلم (١٥٧١)، أبو داود (١١٩٩)، الترمذي (٣٠٣٤) النسائي (١٤٣٢)، ابن ماجه (١٠٦٥). وانظر: "منتقى الأخبار" مع "نيل الأوطار" (٣/ ٢١٢) فما بعدها، وراجع: "مقارنة المذاهب في الفقه" لشلتوت والسايس (ص ٣٠ - ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>