للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا وجد الدليل الخاص الذي دلّ على حكم المسكوت - وهو قصر الصلاة في حالة الأمن - فلم يعمل بمفهوم المخالفة.

الشرط الثاني: ألّا يكون للقيد الذي قُيِّد به النص، فائدةٌ أخرى، غير إثبات خلاف حكم المنطوق للمسكوت؛ وذلك كالترغيب، أو الترهيب، أو التنفير من واقع، أو التفخيم له، وتأكيد الحال، أو الامتنان. . . إلخ، أو غير ذلك مما يشعر أن الحكم ليس مرتبطًا بهذا القيد، وأن التقييد إنما كان لغرض آخر.

وبيان ذلك فيما يلي:

١ - قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران: ١٣٠].

فلو أخذنا بمفهوم المخالفة: لكان الربا الخالي عن المضاعفة غير حرام.

ولكن مفهوم المخالفة غير متحقق هنا، ولا يؤخذ به؛ لأن وصف الربا بالأضعاف المضاعفة في الآية، جاء للتنفير مما كانوا عليه في الجاهلية من الزيادة على رأس المال، ومضاعفة هذه الزيادة سنة بعد أخرى (١) الأمر الذي يؤدي إلى استئصال مال الغريم، وهتك ستره وإحداث الفوارق الظالمة في المجتمع، وقد قام الدليل على أن وصف المضاعفة هو للتنفير من الواقع الذي كانوا عليه، بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (٢٧٩)[البقرة].

وهكذا لم يدل التقييد بوصف المضاعفة على إباحة الربا؛ لأن هذا الوصف لم يكن لإثبات خلاف التحريم عند انتفائه، وإنما كان للتنفير والتشنيع على مَن يأتي هذا النوع من التعامل الذي كان واقعًا يسود المجتمع الجاهلي.


(١) راجع: "تفسير الطبري" (٧/ ٢٠٤)، "الدر المنثور" للسيوطي (١/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>