للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)[التوبة].

أفاد هذا النص بمنطوقه أن الظلم حرام في حِقبة زمنية مداها هذه الأشهر الأربعة من السنة، وهي الأشهر الحرم.

ولو أخذ بمفهوم المخالفة، لثبت عدم النهي عن الظلم في غير هذه الأشهر الأربعة، ولكان مؤدَّى ذلك: أن الظلم حرامٌ فيها فقط، مباح فيما عداها من سائر أشهر السنة، وهذا خارج عن قواعد الشريعة وأحكامها ولم يقل به أحد، فالظلم حرام في كل الأوقات، كما تدل على ذلك نصوص الكتاب والسنّة (١).

ب - ومن ذلك أيضًا قول الله جلّ وعلا: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)[الكهف].

فالنهي عن أن يقول: ﴿إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ مقيّد بقيد زمني، هو أن يكون الفعل في الغد.

فالآية تدل بمنطوقها على أن النهي مقيد بأن يكون الفعل في الغد، وتفيد بالمفهوم المخالف أن ما يفعله بعد يومين أو ثلاثة، غير منهي عن القول فيه: إني فاعل ذلك إذا لم يقل: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ مع أن النهي عن ذلك ثابت في كل الأوقات.

وهكذا يؤدي بنا الأخذ بمفهوم المخالفة في هذه الآية، إلى أن يكون


(١) راجع: "أصول الفقه" لأستاذنا أبي زهرة (ص ١٤٢)، "أصول الفقه" للأستاذ الشيخ زكريا البرديسي (ص ٢٧٧ - ٢٧٨) هذا: والعلماء على أن تخصيص الأشهر الحرم بالذكر والنهي عن الظلم فيها: إنما هو تشريف لها وبيان لعظم حرمتها. جاء في "تفسير القرطبي" (٨/ ١٣٤ - ١٣٥): (خصّ الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل الزمان. كما قال: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧] على هذا أكثر أهل التأويل). وانظر: "الكشاف" للزمخشري (٢/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>