للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماشية بثمن يشعر بسهولة الانتفاع ووفرته. وهذا يناسب فرض الزكاة في الغنم التي ترعى في ذلك الكلأ المباح.

أما إذا كان الوصف غير مناسب للحكم، كما لو قال: "في الغنم البيضاء زكاة" فلا يدل هذا التقييد على انتفاء الحكم عما تخلف عنه هذا القيد. وإليه ذهب إمام الحرمين، مع اعترافه أن الشافعي اعتبر الصفة دون تفريق بين ما يناسب وما لا يناسب، جاء في "البرهان": (واعتبر الشافعي الصفة ولم يفصلها، واستقر رأبي على تقسيمها وإلحاق ما لا يناسب باللقب) (١) مع العلم أن مفهوم اللقب لا يقول به الجمهور (٢).

ومع هذا، فقد اختلف النقل عن الجويني في مذهبه الذي ذكرناه سابقًا، فنقل الرازي عنه المنع من الأخذ بمفهوم الصفة مطلقًا، ونقل ابن الحاجب الجواز (٣).

ولكن الاحتكام إلى نص كلامه في "البرهان" يزيل الإشكال، بحيث يثبت لدينا أن كل واحد قد نقل طرفًا مما استقر عليه رأي الرجل، فمذهبه - كما يستخلص من كلامه - يقوم على التفريق بين الوصف المناسب وغير المناسب، فمفهوم الصفة معتبر عنده إذا كان الوصف مناسبًا، وغير معتبر إذا لم يكن مناسبًا (٤). ومن هنا


(١) "البرهان" (١ / لوحة ١٢٨) مخطوطة دار الكتب المصرية. نسخة مصورة. قلت: وإلى جانب هذه الأقوال الثلاثة، فرق أبو عبد الله البصري من المعتزلة وقال: (إنه حجة في ثلاثة أحوال:
١ - أن يكون الخطاب قد ورد البيان: كما في الحديث في الغنم السائمة زكاة".
٢ - أن يكون قد ورد للتعليم: كما في خبر "التحالف عند التخالف والسلعة قائمة".
٣ - أن يكون ما عدا الصفة داخلًا تحت الصفة: كالحكم بالشاهدين، فإنه يدل على أنه لا يحكم بالشاهد الواحد لأنه داخل تحت الشاهدين، ولا يدل على النفي فيما سوى ذلك). راجع: "إحكام الآمدي" (٣/ ١٠٣)، "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص ١٨١).
(٢) مفهوم اللقب: (هو دلالة اسم الجنس أو اسم العلم على انتقاء حكمه المذكور عما عداء) ولم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة.
(٣) راجع: "إرشاد الفحول" (ص ١٨١).
(٤) وممن قال بهذا القول: الزين من المنير وقد اعتبره هو الراجح، فقد نقل عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" قوله بمناسبة "سائمة الغنم": (والراجح في مفهوم الصفة أنها إن كانت تناسب الحكم مناسبة العلة لمعلولها: اعتبرت، وإلا فلا، ولا شك أن السَوْم يُشعر بخفة المؤنة ودرء المشقة، فالراجح اعتباره هنا). انظر: "فتح الباري" (٣/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>