للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الآيات، من غير معرفة بالمنقول من الآثار في موضوعها، كما في أخبار الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، وأدُّوا إلينا من السنن ما يكون بيانًا للكتاب، ومن غير مقابلةٍ لتلك الآيات بعضها ببعض حسب موقع كل منها من السياق وسبب النزول، كل ذلك مع التعرِّي عن معرفة الأعراف الشرعية؛ التي أدخلت كثيرًا من المعاني في ظهور جديد وعدم العلم بغرائب القرآن ومبهماته وأساليبه البيانية من إضمار، وحذف، وتقديم، وتأخير، وغير ذلك، وأساليب الاستنباط منه، من معرفة وجوه دلالة الألفاظ على معانيها، وحمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد.

فالتفسير في مثل هذه الحال: تفسير بالرأي، عارٍ عن مؤهلات النظر ووسائل المعرفة بمدلولات نصوص الكتاب، يعرض صاحبه للزلل والانحراف.

فمَن لم يُحكم ظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية - كما يقول الغزالي - كثر غلطه، ودخل في زمرة من يفسر بالرأي، وعلى هذا: فلا بد - إلى جانب العربية - من السماع والنقل في ظاهر التفسير أولًا ليتقي به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع للتفهُّم والاستنباط (١).

ومما لا شك فيه: أن الغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة، ولا مطمع في الوصول إلى الباطن - وهو ما يستنبطه العلماء من دقيق المعاني - إلا بإحكام الظاهر (٢)، ففي قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] المعنى وأتينا ثمود الناقة معجزة واضحة، وآية مبينة، على صدق رسالته،


(١) راجع: "إحياء علوم الدين" للغزالي (١/ ٢٩٨)، "تفسير القرطبي" (١/ ٢٨ - ٢٩)، "مصادر الفقه الإسلامي الكتاب والسنّة" لأستاذنا محمد أبي زهرة (ص ٥٥).
(٢) انظر: "الإحياء" (١/ ٩٢٨)، "مقدمة التفسير" للراغب الأصفهاني (٤٢٢ - ٤٢٢)، "تفسير القرطبي" (١/ ٢٩)، "التفسير والمفسرون" لمحمد حسين الذهبي (١/ ٢٥٩). هذا وقد عني العلماء ببيان مبهمات القرآن وجعلوه نوعًا من علوم هذا الكتاب حتى أفرده الإمام جلال الدين السيوطي برسالة عنوانها: "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن".

<<  <  ج: ص:  >  >>