وفق رأيه وهواه: ليحتج به على تصحيح غرضه وما يجنح إليه، ولو لم يكن له ذلك الميل، لم يطرق ذلك الباب من التفسير.
وقد بيّن أبو حامد أن هذا تارة يكون مع العلم؛ كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يلبِّس به على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجح ذلك الجانب برأيه أي أن رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير، فلولا رأيُه: لما كان يترجح عنده ذلك التفسير.
وتارة يكون له غرض صحيح، فيطلب له دليلًا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كالذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله ﷿: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤)﴾ [طه] ويشير إلى قلبه، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون. وكالذي يدعو إلى الاستغفار بالأسحار فيستدل بقوله ﷺ، فيما رواه الشيخان:"تسحّروا فإن في السحور بركة" وهو يعلم أن المراد به الأكل.
وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعّاظ في المقاصد الصحيحة تحسينًا للكلام وترغيبًا، وهو ممنوع. وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة، لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل. وينزِّلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعًا أنها غير مرادة (١). فهذا هو الرأي المذموم المنهي عن القول به.
وعلى ذلك: تكون النصوص الواردة في النهي عن القول في القرآن بالرأي، منصبّة على هذا الرأي الفاسد الذي كان قوامه الهوى، لا الاجتهاد الصحيح.
الموضع الثاني: المسارعة إلى تفسير نصوص الكتاب، بظواهر الألفاظ
(١) انظر: "إحياء علوم الدين" (١/ ٤٣، ٢٩٨)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢٨ - ٢٩).