للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمام الشافعي - وهو من أئمة اللغة - وقد احتج بقوله الأصمعي (١) وصحّح عليه دواوين الهذليين. وإذا كان أبو عبيد والإمام الشافعي - وهما إمامان من أئمة اللغة عالمان بأسرارها، وتنوُّع أساليبها ومدلول الخطاب فيها، يقولان بهذا المفهوم، فيستدلان على أن الكلام المقيّد بصفة، يدل بمفهومه المخالف على نفي الحكم عمن تخلفت عنه هذه الصفة - فذلك دليل على أن ذلك مفهوم لغةً، ولو لم يكن التقييد بالصفة يدل على ذلك لغةً، لما حصل هذا الفهم.

وقد يرد على ذلك أمران:

أولهما: أنه ليس في كلام أبي عبيد ولا الشافعي ما يُشعر بنقل ذلك عن العرب، فلا يبعد أن يكون قولهما بمفهوم الصفة إنما جاء عن طريق الاجتهاد، فيكون مذهبًا خاصًّا لمن قاله، وليس في ذلك ما يلزم الآخرين؛ على أنه لو ثبت نقل أبي عبيد أو الشافعي ذلك عن العرب، فمن غير المسلَّم به ثبوت ذلك في مثل هذه القاعدة اللغوية التي ينبني على القول بها كثير من الأحكام في أمور الحلال والحرام، لكون هذا النقل من أخبار الآحاد، وهو مما لا يصح فيه نقل اللغة.

وقد نقل إمام الحرمين كلام المثبتين لمفهوم الصفة على إطلاقه واحتجاجهم بأبي عبيد والإمام الشافعي، ثم قال:

(وهذا المسلك فيه نظر، فإن الأئمة قد يحكمون على اللسان عن نظر واستنباط، وهم في مسلكهم في محل النزاع مطالبون بالدليل، والأعرابي يُنطقه طبعه، فيقع التمسُّك بمنظومه ومنثوره، ولا يعدم من يتمسك بهذه الطريقة المعارضة) (٢).


(١) هو عبد الملك بن قُريب بن علي بن أصمع الباهلي، أبو سعيد الأصمعي. راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والحديث والبلدان. نسبته إلى جده أصمع، ومولده روفاته بالبصرة، أخباره كثيرة جدًّا، وله عدد كبير من التصانيف منها: "الإبل" و "الأضداد" و "المترادف". توفي أبو سعيد سنة ٢١٦ هـ.
(٢) "البرهان" (١/ لوحة ١٢٣)، وانظر: "أصول الجصاص" (ق ٥٢/ أ) مخطوط دار الكتب المصرية. "تهذيب الوصول" لابن المظهر الحلي الشيعي (ص ٢٣ - ٢٤)، "المنية اللبيب شرح التهذيب" للحسني (ص ١٠٥ - ١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>