للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمفهوم الصفة في قوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ إذ إن الآية جعلت الإيمان من القيود التي انبنى عليها حكم الجل، فإذا انتفى هذا القيد - وهو وصف الإيمان -: انتفى الجل بانتفائه، وعلى ذلك: لا يحل في هذه الحال الزواج بالفتيات الكتابيات.

ولأنه قد شرط في تزوج الأمة المسلمة أن يكون عند عدم طَوْل الحرة المؤمنة، وأن تكون هناك خشية من العنت. والمدلولُ الواضح لهذا: أن زواج الحر بالأمة المسلمة، إنما حلّ عند تحقق الضرورة المستوجبة لهذا الزواج، وإذا كان حل الأمة المسلمة مرتبطًا بضرورة استوجبته: كان ذلك دليلًا على عدم حِل تزوج الكتابية مطلقًا (١).

ولأن الفتاة الكتابية إن كانت لكافر استرقَّ ولده منها، وإن كانت لمسلم لم يؤمن أن يبيعها من كافر فيسترقّ ولده منها، فيكون الزواج محتملًا لاسترقاق الولد (٢).

ب - والحنفية - لأنهم لا يقولون بدلالة مفهوم الصفة - حكموا بحل التزوج من الأمة سواء أكانت كتابية أم مسلمة. وسواء أكان ذلك عند طول الحرة أم عند عدم طولها. فالأصل عندهم قول الله جلّ وعلا: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ .... ﴾ الآية [النساء: ٣]. وقوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء [الآية: ٢٤] ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾. والأمة الكتابية منطوية تحت عموم هذين النصين، فلا تخرج إلا بدليل، والمفهومُ المخالف - ومنه


= القدير" (٢/ ٣٧٦)، وقد نقلت عن أحمد رواية بحل الزواج من الأمة الكتابية وأنه قال: لا بأس بها، إلا أن الخلال ردّ هذه الرواية، ونقل عن أحمد عدم الحل لقول الله تعالى: ﴿فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ﴾ [النساء: ٢٥] قال الخلال: (فشرط في إباحة نكاحهن الإيمان ولم يوجد، وتفارق المسلمة؛ لأنه لا يؤدي إلى استرقاق الكافر ولدها، لأن الكافر لا يقر ملكه على مسلمةً، والكافرة تكون ملكًا لكافر، ولا يقر ملكه عليها وولدها مملوك لسيدها). انظر: "المغني" مع "الشرح الكبير" (٧/ ٥٠٩).
(١) راجع: "أسباب اختلاف الفقهاء" لأستاذنا الخفيف (ص ١٥٠).
(٢) هذا وممن قال يعدم الحِل: الثوري والأوزاعي والليث وإسحاق. راجع: "المهذب" للشيرازي (٤/ ٢٤ - ٢٥)، "المغني" لابن قدامة مع "الشرح الكبير" (٧/ ٥٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>