للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا كانت عمدة أرباب العموم في الاستدلال على ما ذهبوا إليه من القول بالعموم وعدم العدول عنه إلا بدليل، ما ظهر من الاستدلال بالعموم عن رسول الله وعن الصحابة على وجه لا يمكن إنكاره.

فقد أجرى الصحابة ألفاظ الكتاب والسنة - وهم أهل اللغة والآخذون عن المبيِّن على العموم، إلا ما دل الدليل على تخصيصه. ولقد ثبت أنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص، لا دليل العموم (١) فعلوا ذلك والرسول صلوات الله عليه بين ظهرانيهم يفقههم ويبين لهم، ويسلك بهم سبيل الفهم السليم لكتاب الله ﷿. وبيان ذلك فيما يلي:

١ - روى أبو جعفر الطبري في "تفسيره" عن أبي هريرة قال: (خرج رسول الله على أُبيّ (٢) وهو يصلي فدعاه: "أي أبي" فالتفت إليه أُبي ولم يجبه. ثم أن أُبيًا خفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبي فقال: السلام عليك أي رسول الله! قال: "وعليك، ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ " فقال: يا رسول الله كنت أصلي، قال: "أفلم تجد فيما أوحي إليّ ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤]؟ " قال: بلى، يا رسول الله! لا أعود) (٣).

ففي توجيه الرسول أخذ بالعموم إذ إن أُبيًا واحدٌ ممن وجه إليهم الخطاب.

٢ - وأخرج البخاري في باب "الخيل الثلاثة" من كتاب الجهاد عن أبي هريرة من حديث طويل جاء في آخره: فسئل رسول الله عن الحمر


(١) راجع: "كشف الأسرار" لعبد العزيز البخاري "شرح أصول البزدوي" (١/ ٣٠٣).
(٢) هو الصحابي الجليل أُبي بن كعب بن قيس الأنصاري البخاري أبو المنذر، سيد القراء كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وأخرج الأئمة أحاديثه في صحاحهم، مات في خلافة عثمان سنة ٣٠ هـ. "الاستيعاب" (١/ ٣٠)، "الإصابة" (١/ ٣١).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١٣/ ٤٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>