للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد منها؟ أم لا يصح ذلك، ويجب التوقف حتى يقوم الدليل على تعيين واحد من المعنيين، أو المعاني؟

لقد جرى في ذلك، اختلاف العلماء:

١ - فذهب الشافعي والقاضي أبو بكر الباقلاني، وجماعة من الشافعية، وفريق من مشايخ المعتزلة كالجبائي والقاضي عبد الجبار وغيرهم، إلى جواز أن يراد من المشترك جميع معانيه، سواء أكان واردًا في النفي أم في الإثبات، ولكن بشرط أن لا يمتنع الجمع بين المعاني؛ وذلك كاستعمال العين في الباصرة والشمس. أما إذا امتنع الجمع: كالقرء في الحيض والطهر، لم يصح ذلك (١).

فترى مذهب الشافعي - كما حكى الآمدي - أنه إذا تجرد اللفظ المشترك عن القرينة الصارفة إلى واحد من معنييه، وجب حمله على المعنيين (٢).

وقد استدل على هذا المذهب بأمرين:

أولهما: أن اللفظ استوت نسبته إلى كل المسميات، فليس تَعَيُّنُ البعض منها بأولى من البعض، فيحمل على الجميع احتياطًا.

الثاني: مما يدل على الجواز: وقوعه كقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (١٨)[الحج: ١٨].

فقد أريد بالسجود - وهو لفظ واحد - معنيان مختلفان؟ لأن سجود الناس إنما يكون بوضع الجبهة على الأرض، أما سجود غيرهم: فمعناه الخشوع والانقياد.

قالوا: والدليل على أن المراد من سجود الناس وضع الجبهة على الأرض


(١) راجع: "الإحكام" للآمدي (٢/ ٣٥٢) فما بعدها.
(٢) راجع: "البرهان" لإمام الحرمين (لوحة ٨٦) مخطوطة دار الكتب المصرية، "الإحكام" للآمدي (٢/ ٣٥٢) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>