للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثلًا: لم يبلغ الإمام أبا حنيفة - رحمهما الله -، إضافة إلى ما عهد عنه من تورع في شأن العبادات (١).

وإذن فليكن مناط القبول أو الرفض، صحة الحديث أو عدم صحته لا توهينه واعتباره لا يقوى على بيان الخاص لأنه خبر آحاد، علمًا بأن المقبول من الحديث في ساحة الأحكام هو الصحيح والحسن كما أسلفنا من قبل. ثم إن ظنية خبر الآحاد المقبول عند علماء الحديث: لا تعني نزوله عن درجة الصلاحية لبيان القرآن الكريم؛ ذلك بأنه ظني - اصطلاحًا - في مقابل القطعي اصطلاحًا وهو المتواتر، كما نقول: حرف جر زائد وحرف جر أصلي، فهذا لا يعني أن حرف الجر الزائد لا معنى لوجوده، بل قد يؤدي دورًا بلاغيًا مكينًا، فالقضية قضية اصطلاح وكفى، والمهم أن يكون الحديث مقبولًا عند أهل الحديث ليؤدي مهمة البيان.

وأغلب الظن أن من أحجم عن قبول خبر الآحاد من أئمة المذهب إنما كان إحجامه لما كان من رواج الكذب على رسول الله ، أما وقد ماز علماؤنا الخبيث من الطيب وبينوا صحيح السنة من غيره فليكن ما نبتغيه:


(١) يقول أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة: (وعندي أن الفروع التي ذكروها تدل على أن فقهاء العراق ما كانوا يأخذون بحديث الواحد ما أمكن إعمال النص القرآني وما تَبَيَّنَتْ دلالته، وذلك هو المنهاج الذي ذكره العلماء عنهم، فهم يأخذون بدلالات القرآن، ومفهوم عبارته، وإشارته، ويتركون حديث الآحاد عند ذلك احتياطًا في قبول الرواية، وترجيحًا لنص قرآني لا شك في صدقه، على رواية حديث محتمل الصدق في وقت راج فيه الكذب على رسول الله . وهذا على فرض أن أبا حنيفة عندما قرر هذه الفروع كان يعلم بالأحاديث المروية في بابها، وإني أشك في أنه كان يعلم بهذه عندما قرر هذه الأحكام، إذ إن أكثرها يتعلق بالعبادات، وأبو حنيفة كان يحتاط في العبادات، والأحاديث العروبة - وإن كانت أحاديث آحاد - تحتمل الآيات المذكورة الاجتماع بها وإعمال نصها بجوار ما تدل عليه، كما أعمل أبي يوسف حديث الاطمئنان في الركوع والسجود مع الآية الكريمة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧]، "أبو حنيفية" لشيخنا (ص ٢٤٨ - ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>