للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكم المقيّد: وجب تقييده به، وإن كان له أصل غيره: لم يكن ردُّه إلى أحدهما بأولى من الآخر).

ولقد يتضح ذلك بالأمثلة التالية:

١ - جاء في سورة البقرة بشأن عدة المرأة المتوفى عنها زوجها وأنها أربعة أشهر وعشرة أيام قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤].

فلفظ ﴿أَزْوَاجًا﴾ ورد في النص القرآني - كما نرى - مطلقًا عن التقييد بكون هؤلاء الأزواج مدخولًا بهن، أو غير مدخول بهن، ولم يزد هذا اللفظ في نص آخر موردًا يفيد تقييده.

كما لم يقم عند العلماء دليل يفيد أن الأزواج اللاتي تتحدث عنهن الآية الكريمة لبيان عدتهن، إنما تكون العدة لهن بهذا القدر، إذا كن على حال كذا أو حال كذا، من دخول أو عدمه مثلًا.

وعلى ذلك: فالعالم عند تفسير النص، يعمل بهذا اللفظ على إطلاقه، ومن هنا كان الحكم في ذلك: أن الرجل إذا توفي فعلى زوجته أن تعتد عدة الوفاة المقدرة في الآية بقوله تعالى: ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ سواء أكانت هذه الزوجة مدخولًا بها أم غير مدخول (١).

٢ - وفي حكم المريض أو المسافر في رمضان جاء قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].

فلفظ ﴿أَيَّامٍ﴾ وارد في الآية مطلقًا عن أي قيد، كالتتابع أو غيره مثلًا، فظاهر قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ يقتضي إيجاب العدد فقط لا إيجاب التتابع (٢)، وليس في نص آخر ما يفيد تحديد هذه الأيام بقيد ما.

كما لم يقم لدى الجمهور دليل على أن المقصود بالأيام الواردة في آية الصوم أيام يشترط فيها كذا، أو أيام موصوفة بكذا، وعلى ذلك فليس أمام


(١) راجع: "حاشية ابن عابدين" (٢/ ٨٣٠)، "فرق الزواج" لأستاذنا الخفيف (ص ٣٣٠).
(٢) انظر: "البداية المجتهد" لابن رشد (١/ ٢٩٩)، "نيل الأوطار" للشوكاني (٤/ ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>