للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يريد تفسير هذا النص القرآني: إلا أن يبقي المطلق على إطلاقه.

فالأيام يمكن أن تكون متتابعة، ويمكن أن تكون متفرقة، ومن هنا كان الحكم عند الجمهور: أن من أفطر في رمضان لعذر المرض، أو السفر، وأراد قضاء الأيام التي فاتته، لم يجب عليه أن يصوم تلك الأيام بالتتابع، بل له أن يصومها متتابعة، وله أن يصومها متفرقة، يختار ما يشاء من الحالين، لأن النص الذي ألزمه قضاء أيام عما فاته، لم يقيد تلك الأيام بصفة معينة، أو شرط معين (١).

جاء في "المبسوط" للسرخي قوله: (وكل صوم في القرآن لم يذكره الله متابعًا فله أن يغرقه، وما ذكر متتابعًا فليس له أن يفرقه) … وبعد أن أتى على ذكر الصوم المفيد قال: (فأما ما لم يذكره متتابعًا: فصوم القضاء، قال الله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ ويجوز انقضاء متابعًا ومتفرقًا، لأنه مطلق عن الوصف، وقال ابن عباس : أبهموا ما أبهم الله) (٢).

على أن السنة قد أبدت ما جاء في الكتاب من إطلاق لفظ ﴿أَيَّامٍ﴾


(١) يقابل قول الجمهور ما ذهب إليه البعض من وجوب التتابع، وكانت الحجة في ذلك: ما رواه الدارقطني عن عائشة قالت: نزلتْ: "فعدة من أيام أخر متتابعات" فسقطت "متتابعات" وجاء في "الموطأ": أن "متتابعات" هي قراءة أبيّ بن كعب. وقد أجيب من ذلك بما قالته عائشة نفسها من سقوط "متابعات" على أن بين العلماء خلافًا حول العمل بقراءة الآحاد، ومنشأ الاختلاف: تقويمها بعد الحكم عليها بأنها ليست بقرآن؛ فالمتفق عليه عند المسلمين: أن القرآن هو ما ثبت بالتواتر. وأقوى ما يقال في القراءة الآحادية: اعتبارها بدرجة أخبار الآحاد، وفيما نحن فيه، عارضها ما هو أقوى منها من الأحاديث. وقد احتج أهل القول بالتتابع أيضًا: بما أخرج الدارقطني عن أبي هريرة أنه قال: "من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطُعه"، ولكن في رواية الحديث مقالًا عند الأئمة فقد قال عنه البيهقي: لا يصح إذ إن في إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه، وقد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أذكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن "النيل الأوطار" للشوكاني (٤/ ٢١٦ - ٢٤٧)، هذا ولابن رشد رأي فيما قام عليه الاختلاف بين الجمهور وغيرهم. انظره في "بداية المجتهد" (١/ ٢٩٩).
(٢) راجع: "المبسوطي" (٣/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>