للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمونه مسلمًا كان أو غير مسلم، فإنهم لم يلتزموها في وجوب الزكاة في النّعم. ذلك أن زكاة النعم ورد في وجوبها عدد من النصوص كان فيها اختلاف في الإطلاق والتقييد، إذ جاءت النعم في بعضها مطلقة عن أي قيد، وجاءت في بعضها الآخر مقيدة بصفة السوم، وهو الرعي في الكلأ المباح، إذ ورد في شأن الإبل مثلًا قوله : "في خمس من الإبل شاة" كما ورد أيضًا: "في خمس من الإبل سائمةً شاة" (١) وكلا الروايتين في "الصحيح".

وواضح أن الإطلاق والتقييد في سبب الحكم، والموضوع واحد وهو الزكاة؛ فحمل الشافعية المطلق على المقيد وأوجبوا الزكاة في السائمة فقط.

ولكن الحنفية أيضًا أوجبوا الزكاة في السائمة دون المعلوفة والمعاملة. وهذا ما يخالف قاعدتهم في عدم حمل المطلق على المقيد في هذه الحال؛ إذ لو عملوا بالمطلق والمقيد كليهما لأوجبوا الزكاة في السائمة والمعلوفة على السواء، واعتبروا كلًا منهما سببًا للحكم وهو وجوب الزكاة (٢).

وقد يجاب عن ذلك بأن ما أخذ به الحنفية في هذا الحكم من إيجاب الزكاة في السائمة من النَّعم فقط، لم يكن من طريق حمل المطلق على المقيد، وإنما كان من طريق النسخ، حيث يرون أن النص المقيد جاء متأخرًا عن النص المطلق، فكان ناسخًا له في غير السالمة.

ولكن هذا الجواب - على فرض التأكد من ثبوت تأخر المقيد عن المطلق - إنما يصلح لدفع ما ورد عليهم لو أنهم يقولون بمفهوم المخالفة


(١) الرواية الأولى: من حديث الصدقة في كتاب رسول الله إلى عماله - الذي رواه مسلم عن أبيه، والرواية الثانية: من حديث الفرائض والسنن والديات في كتاب رسول الله إلى اليمن الذي رواه أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده. وانظر لتفصيل روايات الحديثين: "السنن الكبرى" للبيهقي (٤/ ٩٨ - ١٠٢)، "المحلى" لابن حزم (٦/ ٤٦)، "نصب الراية" للزيلعي (٢/ ٣٣٨ - ٣٤٣)، "فتح الباري" مع "صحيح البخاري" لابن حجر (٣/ ٢٥٠).
(٢) راجع: "الهداية" مع "فتح القدير" و "العناية" (٢/ ١٢٧) فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>