للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإبليس لم يسجد إذ أمره الله بالسجود، بينما امتثل الملائكة فسجدوا.

ولقد دلت الآية على توجيه الذم لإبليس على هذه المخالفة باستفهام فيه الإنكار والتوبيخ، وذلك في قوله سبحانه: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾.

فإذا ثبت الذم على ترك المأمور: ثبت أن الأمر للوجوب، ولو لم تفد صيغة الأمر الوجوب: لما كان مجرد ترك السجود - وهو المأمور به، المعلوم من فعل الأمر ﴿اسْجُدُوا﴾ - موجبًا للذم الذي رأيناه في هذا الاستفهام، ولو حصل الذم في مثل هذه الحال لكان عبثًا، ولكان لإبليس الحق في أن يقول: إنك ما ألزمتني فلم التوبيخ والإنكار والاعتراض (١)؟.

وهكذا يكون ذم إبليس وطرده من الجنة دار الكرامة: لمخالفة ما أُمر به وعدم امتثاله: دليلًا على أن صيغة الأمر تفيد الوجوب.

وقد يرد على هذا التعميم، أن صيغة الأمر تفيد الوجوب مطلقًا، فهمًا من قوله: ﴿اسْجُدُوا﴾ إذ لا مانع أن تفيد وجوب السجود، ولكن من أين جاء كونها حقيقة لهذا؟

وفي رأينا أن قوله تعالى ﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ بعد قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ﴾ يفيد تحليل ذلك الذم بمجرد ترك الأمر، لأن قوله: ﴿إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ مذكور في معرض التحليل والأمر الوارد في الآية والمذكور في قوله: ﴿أَمَرْتُكَ﴾ يفيد كونه أمرًا على إطلاقه، لا كونه أمرًا مخصوصًا في صورة مخصوصة.

هذا إلى أن الأمر بالسجود في قوله تعالى: ﴿اسْجُدُوا﴾ كان بلا قرينة، إذ لا مانع من الصرف إلى المجاز لو وجدت القرينة.

وعلى هذا وجب أن يكون ترك الأمر - من حيث هو أمر - موجبًا للذم، وذلك يفيد أن كل أمر فإنه يقتضي الوجوب (٢).


(١) انظر: "ابن الحاجب" مع "العضد" و "التفتازاني" (٢/ ٨٠).
(٢) راجع: مختصر المنتهى" مع "شرحه للعضد" (٢/ ٨٠)، "المنهاج" للبيضاوي مع "شرحه نهاية السول" للإسنوي (١/ ٢٦٠) بهامش "التقرير والتحبير"، "طلعة الشمس" للسالمي الأباضي (ص ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>