للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سعيد بن المعلى إذ ناداه فلم يستجب له - وكان يصلي - فقال له رسول الله : "ألم يقل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٤] " (١).

فقد أفهم النبي أصحابه بهذا: أن مطلق الأمر يفيد الوجوب، وكان إنكاره على أبي سعيد بن المعلى أنه لم يجب نداءه، مع كونه واقفًا في الصلاة، فدل هذا الإنكار على أن الأمر في قوله تعالى: ﴿اسْتَجِيبُوا﴾ يشمل كل الأحوال، حتى ولو كان المسلم واقفًا في الصلاة، لا يعد ذلك عذرًا في عدم الاستجابة التي فرضت يقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (٢).


= بينما رأينا أبا جعفر الطحاوي يجزم بهذه الخصوصية. وما ذهب إليه أبو جعفر هو الراجح في نظرنا لأن السواك الذي جعل بدلًا عن الوضوء لكل صلاة لم يأمر الرسول به الأمة، ومعنى ذلك أن الوضوء لكل صلاة لم يكن عليها أيضًا، فهي لم تخاطب بالأصل، والرسول لم يأمرها بالسواك الذي هو البدل، وهكذا يكون لكل من الحديثين دائرته التي هي مجال دلالته على الحكم؛ فأحدهما يقرر أمرًا خاصًّا بالرسول، والآخر يقرر عدم وجوب السواك لأن الرسول لم يأمر به.
ولقد رأينا الإمام الشافعي يأخذ من الحديث الذي هو دليل الجمهور عدم وجوب السواك دون أن يعرض للحديث الآخر، كما رأينا ممن تابعه إمامًا كالخطابي يصنع صنيعه فيقتصر على الاستدلال من الحديث على أن السواك غير واجب أيضًا، ثم يردف ذلك باستنتاج أن أوامر الرسول صلوات الله عليه على الوجوب.
(١) جاء في رواية أخرى ذكر أُبي بن كعب، بدلًا من أبي سعيد المعلى، فقد أخرج ابن عبد البر بالسند عن أبي هريرة قال: (خرج رسول الله على أبي بن كعب وهو يصلي فقال رسول الله : "يا أُبي"، فالتفت إليه ولم يجبه وصلى فخفض ثم انصرف إلى رسول الله ، فقال رسول الله: "يا أُبي ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك" فقال: يا رسول الله كنت أُصلي قال: "أفلم تجد فيما أوحي إلي إن ﴿اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾؟ " قال: بلى يا رسول الله، ولا أعود إن شاء الله).
انظر: "تفسير الطبري" (١٣/ ٤٦٦) "جامع بيان العلم" (٢/ ٦٤)، ما سلف (٢/ ٨٥).
(٢) راجع: "الإحكام في أُصول الأحكام" لابن حزم (٣/ ٢٠ - ٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>