للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا وجد الجمهور القرينة التي صرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، بينما حمله ابن حزم على الوجوب ليس إلا. واعتبر ما ذهب إليه شذوذًا عند الكثيرين (١).

٣ - جاء في الحديث أن الرسول قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولين إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (٢).

ولقد كان البحثُ حول تحديد مدلول الأمر في قوله : "فاصنع ما شئت" مجالًا لتعدد الأقوال فيما هو المراد من هذا الأمر في نص من نصوص السنة، يعطي للحياء عظيم الأهمية والاعتبار.

وكانت أهم هذه الأقوال ثلاثة:

أحدها: أن الأمر في النص: معناه الخبر وإن كان لفظه لفظ الأمر. فكأنه يقول: إذا لم يمنعك الحياء فعلت ما شئت أي ما تدعوك إليه نفسك قال الخطابي: (وإلى نحو من هذا ذهب أبو عبد القاسم بن سلام رحمة الله عليه) (٣).

الثاني: أن الأمر هنا للوعيد كقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] وإليه ذهب أبو العباس أحمد بن فارس.

الثالث: ما ذهب إليه أبو إسحاق المروزي أن قوله : "فاصنع ما شئت" معناه أن ينظر فإذا كان الشيء الذي يريد أن يفعله مما لا يستحي منه فليفعله، قال الخطابي: (يريد أن ما يستحي منه فلا يفعله) (٤).

وهكذا تبدو الأقوال الثلاثة نتيجة الاجتهاد العلماء في البحث عما يمكن أن يصرف الأمر عن مدلول إلى آخر.


(١) راجع: "فتح الباري" (٣/ ١٤٧)، "نيل الأوطار" (٤/ ٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٨٣) و (٣٤٨٤) وأبو داود (٤٧٩٧) وابن ماجه (٤١٨٣).
وانظر: "معالم السنن" للخطابي (٤/ ١٠٩ - ١١٠).
(٣) انظر: "معالم السنن" (٤/ ١١٠).
(٤) المصدر السابق: (٤/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>