للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الطلب في خصوص زمان، أما خصوص المطلوب: من قيام وقعود وغيرهما فإنما هو من المادة، ولا دلالة للمادة على غير مجرد الفعل، فحصل من مجموع الهيئة والمادة في الأمر، أن تمام مدلول الصيغة هو طلب الفعل فقط، والبراءة بالخروج من عهدة الامتثال في الأمر، تحصل بفعل المأمور به مرة واحدة، لأن المرة الواحدة تحقق ما هو المطلوب بإدخاله في الوجود، لأنه لا يوجد بأقل منها.

وبهذا يندفع ما يحتج به القائلون بالمرة - كما سيأتي - من أن الامتثال يحصل بالمرة فيكون الأمر لها.

وإنما تندفع هذه الحجة وتصبح عديمة الجدوى؛ لأن حصول الامتثال بالمرة لا يستدعي اعتبارها جزءًا من مدلول الأمر، بل هي لازم من لوازم معناه؛ لأن ما حصل كان على تقدير الإطلاق كما عرفنا، لا على التقييد بمرة (١).

٢ - ومما استدلوا به - وهو ما نراه عند ابن الحاجب وغيره -: أن مدلول صيغة الأمر: طلب حقيقة الفعل، والمرة والتكرار خارجان عن حقيقته، فيجب أن تحصل البراءة من عهدة الامتثال به في أيهما وجد، ولا يتقيد بأحدهما دون الآخر.

وقد أورد على ذلك: أنه استدلال بمحل النزاع؛ فإن نفاة كون الأمر لمطلق الطلب، منهم من يرى أن صيغة الأمر للحقيقة المقيدة بالمرة، ومنهم من يرى أنها للحقيقة المقيدة بالتكرار.

٣ - كما استدلوا أيضًا بأن المرة والتكرار من صفات الفعل؛ كالقلة والكثرة، لأنك تقول: ضربًا قليلًا أو كثيرًا أو مكررًا، أو غير مكرر، فيقيد الفعل بصفاته المتنوعة، قال القاضي العضد: (ومن المعلوم أن الموصوف بالصفات المتقابلة لا دلالة له على خصوصية شيء منها، وإذا ثبت ذلك: فمعنى "اضرب" طلب ضرب فلا يدل على صفة للضرب من تكرار أو مرة).


(١) راجع: "التحرير" مع "التقرير والتحبير" (٣١١ - ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>